كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ نَفْيُ الْفَارِقِ فِي أَصْلِ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ مَقْطُوعًا بِهِ وَفِي الْآخَرِ مَظْنُونًا، فَمَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ يَكُونُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ.
السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ ثُبُوتِ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ السَّبْرَ وَالتَّقْسِيمَ، وَالْأُخْرَى الطَّرْدَ وَالْعَكْسَ، فَمَا طَرِيقُ ثُبُوتِهِ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ أَوْلَى؛ إِذْ هُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، وَمَا دَارَ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا ظَاهِرُ الْعِلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَدُورُ مَعَ الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ كَمَا فِي الرَّائِحَةِ الْفَائِحَةِ الْمُلَازِمَةِ لِلشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ الدَّائِرَةِ مَعَ تَحْرِيمِ الشُّرْبِ وَجُودًا وَعَدَمًا، مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِلَّةً؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ لَا بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ، كَمَا. سَبَقَ تَقْرِيرُهُ (١) ، وَالرَّائِحَةُ الْفَائِحَةُ لَيْسَتْ بَاعِثَةً؛ إِذْ لَا يُشَمُّ مِنْهَا رَائِحَةُ الْمُنَاسَبَةِ، وَكَمَا أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مُلَازَمَةِ الْعِلَّةِ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي إِبْطَالِ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ، وَبِهَذَا يَكُونُ الْقِيَاسُ الَّذِي طَرِيقُ إِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ فِيهِ الْمُنَاسَبَةُ أَوْلَى مِمَّا طَرِيقُ إِثْبَاتِهَا فِيهِ الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ.

[التَّرْجِيحَاتُ الْعَائِدَةُ إِلَى إِلَى صِفَةِ الْعِلَّةِ]
وَأَمَّا التَّرْجِيحَاتُ الْعَائِدَةُ إِلَى صِفَةِ الْعِلَّةِ:
فَالْأَوَّلُ مِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ عِلَّةُ الْأَصْلِ فِي أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَفِي الْآخَرِ وَصْفًا حَقِيقِيًّا، فَمَا عِلَّتُهُ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ أَوْلَى لِوُقُوعِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ، وَوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي مُقَابِلِهِ، فَكَانَتْ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ فِي أَحَدِهِمَا وَصْفًا وُجُودِيًّا وَفِي الْآخَرِ وَصْفًا عَدَمِيًّا، فَمَا عِلَّتُهُ ثُبُوتِيَّةٌ أَوْلَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَوُقُوعُ الْخِلَافِ فِي مُقَابِلِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ أَحَدِهِمَا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، وَفِي الْآخَرِ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ، فَمَا عِلَّتُهُ بَاعِثَةٌ أَوْلَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ.
الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ أَحَدِهِمَا وَصْفًا ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا وَفِي الْآخَرِ بِخِلَافِهِ، فَمَا عِلَّتُهُ مَضْبُوطَةٌ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ لِظُهُورِهِ وَلِبُعْدِهِ عَنِ الْخِلَافِ.
الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ أَحَدِهِمَا وَصْفًا مُتَّحِدًا وَفِي الْآخَرِ ذَاتَ أَوْصَافٍ، فَمَا عِلَّتُهُ ذَاتُ وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الضَّبْطِ وَأَبْعَدُ عَنِ الْخِلَافِ.
السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ تَعْدِيَةً مِنْ عِلَّةِ الْآخَرِ، فَهُوَ أَوْلَى لِكَثْرَةِ فَائِدَتِهِ.
---------------
(١) انْظُرِ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ مَسَائِلِ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ.

الصفحة 273