كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

فَالْمُحَافَظَةُ بِالْمَنْعِ مِمَّا يُفْضِي إِلَى الْفَوَاتِ مُطْلَقًا أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَكُونُ الْمَقْصُودُ فِي حِفْظِ النَّسَبِ أَوْلَى مِنَ الْمَقْصُودِ فِي حِفْظِ الْعَقْلِ وَالْمَالِ لِكَوْنِهِ عَائِدًا إِلَى حِفْظِ النَّفْسِ، وَمَا يُفْضِي إِلَى حِفْظِ الْعَقْلِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا يُفْضِي إِلَى حِفْظِ الْمَالِ؛ لِكَوْنِهِ مَرْكَبَ الْأَمَانَةِ وَمَلَاكَ التَّكْلِيفِ وَمَطْلُوبًا لِلْعِبَادَةِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَلَا كَذَلِكَ الْمَالُ، وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الرُّتَبُ مُخْتَلِفَةً فِي الْعُقُوبَاتِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهَا عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِهَا فِي أَنْفُسِهَا، وَبِمِثْلِ تَفَاوُتِ هَذِهِ الرُّتَبِ يَكُونُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ مُكَمِّلَاتِهَا.
الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ فِي أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ نَفْسَ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْآخَرِ دَلِيلَ عِلَّةِ الْأَصْلِ وَمُلَازِمَهَا، فَالَّذِي فِيهِ الْجَامِعُ نَفْسُ الْعِلَّةِ أَوْلَى لِظُهُورِهَا وَرُكُونِ النَّفْسِ إِلَيْهَا.
التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْأَصْلِ فِي أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ مُلَائِمَةً وَعِلَّةُ الْآخَرِ غَرِيبَةً، فَمَا عِلَّتُهُ مُلَائِمَةٌ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ وَأَبْعَدُ عَنِ الْخِلَافِ.
الْعِشْرُونَ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْأَصْلَيْنِ مَنْقُوضَةً إِلَّا أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ فِي صُورَةِ النَّقْضِ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُمْكِنُ عَلَيْهِ إِحَالَةُ النَّقْضِ مِنْ وُجُودٍ مَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ بِخِلَافِ الْأُخْرَى، فَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ.
الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهَا مَدْلُولُهَا فِي صُورَةٍ بِطْرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ وَالْأُخْرَى يَتَخَلَّفُ عَنْهَا حُكْمُهَا لَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَالَّتِي يَتَخَلَّفُ عَنْهَا حُكْمُهَا بِجِهَةِ الِاسْتِثْنَاءِ تَكُونُ أَوْلَى لِقُرْبِهَا إِلَى الصِّحَّةِ وَبُعْدِهَا عَنِ الْخِلَافِ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ قَدْ خَلَّفَهَا فِي صُورَةِ النَّقْضِ مَا هُوَ أَلْيَقُ بِهَا لِكَوْنِ مُنَاسَبَتِهَا فِيهَا أَشَدَّ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْأُخْرَى فَهِيَ أَوْلَى لِتَبَيُّنِ عَدَمِ إِلْغَائِهَا بِخِلَافِ الْأُخْرَى.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ لَا مُزَاحِمَ لَهَا فِي أَصْلِهَا بِخِلَافِ الْأُخْرَى، فَالَّتِي لَا مُزَاحِمَ لَهَا أَوْلَى لِأَنَّهَا أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ وَأَقْرَبُ إِلَى التَّعْدِيَةِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا رُجْحَانُهَا عَلَى مُزَاحِمِهَا أَكْثَرُ مُقَدَّمَةً أَيْضًا.

الصفحة 277