كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَامًّا بِمَعْنَاهُ ضَرُورَةَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ (١) .
وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ عَامًّا لَا بِلَفْظِهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْخُصُومِ فِي بَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْبَاقِي، ضَرُورَةَ أَنْ لَا قَائِلَ بِالتَّفْصِيلِ.
وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَكُونُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَا التَّكْرَارَ.
وَعَنِ السُّؤَالِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ (٢) .
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ، فَمَا رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا: " بِمَ تَحْكُمُ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي " وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» (٣) وَاجْتِهَادُ الرَّأْيِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا إِلَى أَصْلٍ وَإِلَّا كَانَ مُرْسَلًا، وَالرَّأْيُ الْمُرْسَلُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ.
---------------
(١) انْظُرْ مَا تَقَدَّمَ لِلْآمِدِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ مَسَائِلِ الْعُمُومِ وَمَا عَلَيْهَا مِنَ التَّعْلِيقِ.
(٢) الْقِيَاسُ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُهِمَّةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَتَكَادُ مَبَاحِثُهُ تَأْخُذُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِنْ رُبْعِ مَبَاحِثِ الْأُصُولِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ الْآمِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ، فَكَيْفَ يَتَّفِقُ ذَلِكَ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ مِرَارًا مِنْ أَنَّ مَسَائِلَ أُصُولِ الْفِقْهِ قَطْعِيَّةٌ.
(٣) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَمَدَارُهُ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ أَخِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الثَّقَفِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا أَبُو عَوْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ أَبُو عَوْنٍ وَلَا يَصِحُّ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا مُرْسَلٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْحَارِثَ رَوَاهُ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ، وَهُمْ أَيْضًا مَجْهُولُونَ لَا يُدْرَى مَنْ هُمْ، وَلَا يَنْهَضُ بِهِمْ صُحْبَتُهُمْ لِمُعَاذٍ فَإِنَّهُ وَغَيْرَهُ صَحِبَهُمْ مَنْ رَوَى عَنْهُمُ الْكَذِبَ كَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيٍّ الْأَكَاذِيبَ، وَدَعْوَى تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ يُكَذِّبُهَا مَا نُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عَدَمِ قَبُولِهِ فَإِنْ أُرِيدَ بِتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ تَلَقِّي عُلَمَاءِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ فَقَطْ وَعُلَمَاءِ السِّيَرِ، فَلِذَلِكَ لَا مُقْنِعَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي كُتُبِهِمْ بِالطَّوَامِ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمِنَ الْعَجَبِ دَعْوَى أَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ الْحَدِيثَ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحِ وَقَدْ وَهَمَهُ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ، انْظُرْ تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ وَنَصْبَ الرَّايَةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ مُتَّصِلًا مِنْ طَرِيقِ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ لَا يُجْدِي أَيْضًا مَا دَامَ مَنْ دُونَ عُبَادَةَ مَجْهُولًا.

الصفحة 32