كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ، وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ: " «هَلْ أَخْبَرْتِهِ أَنِّي أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ» " (١) وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى قِيَاسِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ.
وَأَيْضًا: مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَنْ يَحْكُمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِرَأْيِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِالنُّزُولِ عَلَى حُكْمِهِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَقَدْ وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ اللَّهِ» ".
وَأَيْضًا: مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: " «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» " حَكَمَ بِتَحْرِيمِ ثَمَنِهَا بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِ أَكْلِهَا.
وَأَيْضًا: مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ عَلَّلَ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ، وَالتَّعْلِيلُ مُوجِبٌ لِاتِّبَاعِ الْعِلَّةِ أَيْنَ كَانَتْ، وَذَلِكَ هُوَ نَفْسُ الْقِيَاسِ.
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِي لِأَجْلِ الدَّافَّةِ، فَادَّخِرُوهَا» ".
وَقَوْلُهُ: " «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ بِالْآخِرَةِ» ".
وَمِنْهَا قَوْلُهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ: " «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: فَلَا إِذَا» ".
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي حَقِّ مُحْرِمٍ وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ: " «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» ".
وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي حَقِّ شُهَدَاءِ أُحُدٍ: " «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» ".
---------------
(١) رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ لَهُ: سَلْ هَذِهِ (لِأُمِّ سَلَمَةَ) فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَكْثَرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.

الصفحة 34