كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي الْهِرَّةِ: " «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» " (١) .
وَقَوْلُهُ: " إِذَا «اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» ".
وَقَوْلُهُ فِي الصَّيْدِ: " «فَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ لَعَلَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ» " (٢) .
وَأَيْضًا قَوْلُهُ: " «أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالرَّأْيِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ» " (٣) وَالرَّأْيُ إِنَّمَا هُوَ تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُخْتَلِفِ لَفْظُهَا الْمُتَّحِدِ مَعْنَاهَا النَّازِلِ جُمْلَتُهَا مَنْزِلَةَ التَّوَاتُرِ، وَإِنْ كَانَتْ آحَادُهَا آحَادًا.
فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ، وَخَبَرٌ وَاحِدٌ وَرَدَ فِي إِثْبَاتِ كَوْنِ الْقِيَاسِ حُجَّةً، وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَالْمُرْسَلُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْإِجْمَاعُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ اشْتِمَالِ مُعَاذٍ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا بِهِ يَقْضِي، فَالسُّؤَالُ عَمَّا عُلِمَ لَا مَعْنَى لَهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَقَّفَ الْعَمَلَ بِالرَّأْيِ عَلَى عَدَمِ وِجْدَانِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَوَقَّفَ الْعَمَلَ بِالسُّنَّةِ عَلَى عَدَمِ وِجْدَانِ الْكِتَابِ.
وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، وَعَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (الْأَنْعَامِ ٥٩) ، وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْكِتَابِ وَتَخْصِيصِهِ بِالسُّنَّةِ.
---------------
(١) رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسٍ كَبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ " يَعْنِي: الْهِرَّةَ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ خُزَيْمَةَ وَمِثْلُهُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَمَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجْبِيُّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَصَفِيَّةُ هِيَ بِنْتُ شَيْبَةَ مِنْ رُوَاةِ السِّتَّةِ.
(٢) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا " لَعَلَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ ".
(٣) أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالرَّأْيِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ: بَحَثْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ.

الصفحة 35