كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَقَدْ وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ".
وَأَمَّا خَبَرُ تَحْرِيمِ الشُّحُومِ عَلَى الْيَهُودِ، فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْبَيْعِ بِالْقِيَاسِ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ أَعَمُّ مِنْ تَحْرِيمِ أَكْلِهِ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ تَحْرِيمٌ لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ مُطْلَقًا، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ مُصَرَّحًا بِهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ تَحْرِيمُ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} ، وَقَوْلِهِ: (وَلَا تَأْكُلُوا مَالَ الْيَتِيمِ) .
وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَنْعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ، فَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِعِلَّةٍ إِلْحَاقِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ، إِذْ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَلَيْسَ فِي الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِلْحَاقِ، بَلِ التَّعْلِيلُ إِنَّمَا كَانَ لِتَعْرِيفِ الْبَاعِثِ عَلَى الْحُكْمِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الِانْقِيَادِ وَأَدْعَى إِلَى الْقَبُولِ، وَلِهَذَا أَمْكَنَ التَّنْصِيصُ عَلَى الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ وَلَا قِيَاسَ عَنْهَا.
وَبِتَقْدِيرِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْإِلْحَاقِ، فَالْعِلَلُ فِيهَا مَنْصُوصَةٌ وَمُومَأٌ إِلَيْهَا.
وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ كَمَا قَالَهُ النَّظَّامُ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «إِنِّي أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِالرَّأْيِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ» " فَهُوَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بِالرَّأْيِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ بِالْقِيَاسِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِالْقِيَاسِ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ كَوْنِهِ مَعْصُومًا عَنِ الْخَطَأِ مُسَدَّدًا فِي أَحْكَامِهِ جَوَازُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ عَلَى خَبَرِ مُعَاذٍ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْسَلَ وَخَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى حُجَّةٌ.
وَأَمَّا سُؤَالُ مُعَاذٍ عَمَّا بِهِ يَقْضِي ; فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ تَوَلِّيهِ الْقَضَاءَ لِيَعْلَمَ صَلَاحِيَتَهُ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَوَلِّيهِ الْقَضَاءَ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّأْكِيدِ أَوْ بِإِعْلَامِ الْغَيْرِ بِأَهْلِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ

الصفحة 37