كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

بِوَاسِطَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ بَعْدَ إِكْمَالِ الدِّينِ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَسَائِطِ.
وَعَنِ الْخَامِسِ: مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ (١) وَعَلَى هَذَا فَلَا يَخْفَى الْجَوَابُ عَمَّا يَعْتَرِضُ بِهِ عَلَى خَبَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَكَذَلِكَ جَوَابُ كُلِّ مَا يَعْتَرِضُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ عَلَى بَاقِي الْأَخْبَارِ.
وَمَا ذَكَرُوهُ عَلَى خَبَرِ الْجَارِيَةِ الْخَثْعَمِيَّةِ فَبَعِيدٌ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكُ الْحُكْمِ فِيمَا سَأَلَتْ عَنْهُ الْقِيَاسَ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ ; لَمَا كَانَ التَّعَرُّضُ لِذِكْرِهِ مُفِيدًا، بَلْ كَانَ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ نَعَمْ.
وَمَا ذَكَرُوهُ عَلَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ اتِّبَاعُنَا لَهُ فِي فِعْلِهِ بِطَرِيقِ التَّأَسِّي بِهِ لَمَا كَانَ حُكْمُ فِعْلِهِ ثَابِتًا فِي حَقِّنَا، وَلَا مَعْنَى لِلْقِيَاسِ سِوَى ذَلِكَ.
وَمَا ذَكَرُوهُ عَلَى حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَاطِلٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ حُكْمَهُ لَوْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، وَقَدْ قَالَ: " «احْكُمْ فِيهِمْ بِرَأْيِكَ» " ٨ (٢) ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَقَدْ وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» " لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْقِيَاسُ مِنْ طُرُقِ الشَّرْعِ ; فَالْحُكْمُ الْمُسْتَنَدُ إِلَيْهِ يَكُونُ حُكْمًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
وَمَا ذَكَرُوهُ عَلَى خَبَرِ الشُّحُومِ مُنْدَفِعٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إِضَافَةِ التَّحْرِيمِ إِلَى الْمَأْكُولِ إِنَّمَا هُوَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ.
وَكَذَلِكَ التَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إِلَى النِّسَاءِ إِنَّمَا هُوَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ، وَإِلَى الدَّابَّةِ تَحْرِيمُ الرُّكُوبِ، وَإِلَى الدَّارِ تَحْرِيمُ السُّكْنَى.
وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى حَسَبِهِ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ، فَتَحْرِيمُ
---------------
(١) انْظُرْ مَا تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا ص ٣٢ ج٤.
(٢) تَحْكِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ثَابِتٌ فِي الْجُمْلَةِ، أَمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لِسَعْدٍ احْكُمْ فِيهِمْ بِرَأْيِكَ فَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتٍ.

الصفحة 39