كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

الْبَيْعِ لَا يَكُونُ مَأْخُوذًا مِنْ مُطْلَقِ التَّحْرِيمِ الْمُضَافِ إِلَى أَكْلِ الشُّحُومِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ بِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْقِيَاسِ (١) .
وَمَا ذَكَرُوهُ عَلَى الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْعِلَلِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْدِيَةِ فَحَقٌّ، غَيْرَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ التَّعْدِيَةِ عَلَى مَذْهَبِ النَّظَّامِ فَقَدْ سَبَقَ جَوَابُهُ (٢) .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ - وَهُوَ أَقْوَى الْحُجَجِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - (٣) فَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ فِي الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ; (٤) فَمِنْ ذَلِكَ (٥) رُجُوعُ الصَّحَابَةِ إِلَى اجْتِهَادِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَقِتَالِهِمْ عَلَى ذَلِكَ
---------------
(١) انْظُرِ الْخِلَافَ فِي عُمُومِ الْمُقْتَضَى فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْعُمُومِ.
(٢) انْظُرِ الْجَوَابَ عَنِ السُّؤَالِ الثَّالِثِ ص ٣٨ ج٤.
(٣) قَدْ يُقَالُ لَيْسَ الْإِجْمَاعُ بِأَقْوَى الْحُجَجِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ مُتُونِ الْآثَارِ أَوْ أَسَانِيدِهَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ مَا سَيَذْكُرُ مِنْ نُصُوصِ الْآثَارِ قَدْ دَخَلَ كُلًّا مِنْهُمَا الِاحْتِمَالُ، كَمَا دَخَلَ فِي كُلِّ نَصٍّ مِنْ نُصُوصِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ قَبْلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَذَلِكَ فَإِنَّ أَسَانِيدَ الْآثَارِ مِنْهَا مَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَمِنْهَا مَا صَحَّ إِلَّا أَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَوْ خَبَرٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَبَقَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَتَمْتَازُ الْآيَاتُ بِالتَّوَاتُرِ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَى وَحْدَةِ مَعَانِي الْآثَارِ وَاشْتِرَاكِهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْقِيَاسِ فَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْأَحَادِيثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي قَوْلِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُخْتَلِفِ لَفْظُهَا الْمُتَّحِدِ مَعْنَاهَا النَّازِلِ جُمْلَتُهَا مَنْزِلَةَ الْمُتَوَاتِرِ وَإِنْ كَانَتْ آحَادُهَا آحَادًا.
(٤) انْظُرْ مُنَاقَشَةَ ابْنِ حَزْمٍ لِأَدِلَّةِ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ فِي الْجُزْءِ السَّابِعِ وَالثَّامِنِ مِنَ الْإِحْكَامِ فِي أُصُولِ الْأَحْكَامِ لَهُ.
(٥) قَدْ يُقَالُ أَنَّ مُوَافَقَةَ الصَّحَابَةِ أَبَا بَكْرٍ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَقِتَالِ مَنْ مَنَعَهَا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا كَانَ لِفَهْمِهِمْ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) ، وَكَحَدِيثِ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " لَا مِنْ قِيَاسِ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَا مِنْ قِيَاسِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الصفحة 40