كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 4)

أَمَّا تَفْرِقَتُهُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ ; فَإِنَّهُ فَرَضَ الْغُسْلَ مِنَ الْمَنِيِّ وَأَبْطَلَ الصَّوْمَ بِإِنْزَالِهِ عَمْدًا دُونَ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ، وَأَوْجَبَ غَسْلَ الثَّوْبِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ وَالرَّشَّ عَلَيْهِ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ، وَنَقَصَ مِنْ عَدَدِ الرُّبَاعِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ الشَّطْرَ دُونَ الثُّنَائِيَّةِ، وَأَوْجَبَ الصَّوْمَ عَلَى الْحَائِضِ دُونَ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَحَرَّمَ النَّظَرَ إِلَى الْعَجُوزِ الْقَبِيحَةِ الْمَنْظَرِ وَأَبَاحَهُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ الْحَسْنَاءِ، وَقَطَعَ سَارِقَ الْقَلِيلِ دُونَ غَاصِبِ الْكَثِيرِ، وَأَوْجَبَ الْجَلْدَ بِالْقَذْفِ بِالزِّنَا دُونَ الْقَذْفِ بِالْكُفْرِ، وَقَبِلَ فِي الْقَتْلِ شَاهِدَيْنِ دُونَ الزِّنَا، وَجَلَدَ قَاذِفَ الْحُرِّ الْفَاسِقِ دُونَ الْعَبْدِ الْعَفِيفِ، وَفَرَّقَ فِي الْعِدَّةِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ مَعَ اسْتِوَاءِ حَالِ الرَّحِمِ فِيهِمَا، وَجَعَلَ اسْتِبْرَاءَ الرَّحِمِ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الْأَمَةِ، وَالْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ بِثَلَاثِ حَيْضَاتٍ، وَأَوْجَبَ تَطْهِيرَ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الرِّيحُ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلتَّسْوِيَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ بَعْضُ الصُّوَرِ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا الْحُكْمُ أَوْلَى بِهِ مِمَّا ثَبَتَ فِيهَا.
وَأَمَّا تَسْوِيَتُهُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ فَإِنَّهُ سَوَّى بَيْنِ قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَخَطَأً فِي إِيجَابِ الضَّمَانِ، وَسَوَّى فِي إِيجَابِ الْقَتْلِ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالزِّنَا، وَسَوَّى فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ قَتْلِ النَّفْسِ وَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ وَالظِّهَارِ مَعَ الِاخْتِلَافِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُبْطِلُ الِاعْتِبَارَ بِالْأَمْثَالِ وَيُوجِبُ امْتِنَاعَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ (١) .
الثَّانِي: قَالَتِ الشِّيعَةُ: إِنَّ الْقَوْلَ بِالتَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ يُفْضِي إِلَى الِاخْتِلَافِ، وَذَلِكَ عِنْدَ مَا إِذَا ظَهَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ قِيَاسٌ مُقْتَضَاهُ نَقِيضُ حُكْمِ الْآخَرِ، وَالِاخْتِلَافُ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} .
وَقَوْلِهِ {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} .
وَقَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} .
ذُكِرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ، وَلَا ذَمَّ عَلَى مَا يَكُونُ مِنَ الدِّينِ، وَقَدْ ذَمَّ الصَّحَابَةُ الِاخْتِلَافَ حَتَّى قَالَ عُمَرُ: " لَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّكُمْ إِنِ اخْتَلَفْتُمْ كَانَ مَنْ بَعْدَكُمْ أَشَدَّ اخْتِلَافًا "
---------------
(١) انْظُرْ ص ٥٢ مِنْ ج٢ مِنْ إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ لِابْنِ الْقَيِّمِ طُبِعَ. مَطْبَعَةُ السَّعَادَةِ بِمِصْرَ.

الصفحة 8