كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

مَحْذُوفٌ، أَيْ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَعَلَيْهِ الْحَجُّ. رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ كُلَّ عَامٍ؟ قَالَ: (لَا بَلْ حَجَّةٌ)؟ قِيلَ: فَمَا السَّبِيلُ، قَالَ: (الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ). وَرَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) قَالَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ تَجِدَ ظَهْرَ بَعِيرٍ). وَأَخْرَجَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَقَالَ:" حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ. وَإِبْرَاهِيمُ «١» بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْخُوزِيُّ الْمَكِّيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وَأَخْرَجَاهُ عَنْ وَكِيعٍ وَالدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟. قَالَ: (الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا الْحَاجُّ؟ قَالَ: (الشَّعِثُ التَّفِلُ) «٢». وَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْحَجُّ؟ قَالَ: (الْعَجُّ وَالثَّجُّ). قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بِالْعَجِّ الْعَجِيجَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجِّ نَحْرَ الْبُدْنِ، لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ. وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرَيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَذَكَرَ عَبْدُوسٌ «٣» مِثْلَهُ عَنْ سَحْنُونَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الِاسْتِطَاعَةُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِبَدَنِهِ وَاجِدًا مِنْ مَالِهِ مَا يُبَلِّغُهُ الْحَجَّ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْضُوبًا «٤» فِي بَدَنِهِ لَا يَثْبُتُ عَلَى مَرْكَبِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْ يُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأُجْرَةٍ وَبِغَيْرِ أُجْرَةٍ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. أَمَّا الْمُسْتَطِيعُ بِبَدَنِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ بِالْكِتَابِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". وَأَمَّا الْمُسْتَطِيعُ بِالْمَالِ فَقَدْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ بِالسُّنَّةِ بِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَأَمَّا الْمُسْتَطِيعُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْقَوِيُّ الَّذِي لَا تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ
---------------
(١). هو أحد رجال سند حديث ابن عمر.
(٢). الشعث: متلبد الشعر. والتفل: الذي قد ترك استعمال الطيب.
(٣). في ب:" ابن عبدوس".
(٤). المعضوب: الزمن الذي لا حراك به.

الصفحة 147