كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

[سورة آل عمران (٣): آية ١٣٧]
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧)
هَذَا تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالسُّنَنُ جَمْعُ سُنَّةٍ وَهِيَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ. وَفُلَانٌ عَلَى السُّنَّةِ أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِوَاءِ لَا يَمِيلُ إِلَى شي مِنَ الْأَهْوَاءِ، قَالَ الْهُذَلِيُّ:
فَلَا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أَنْتَ سِرْتَهَا ... فَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا
وَالسُّنَّةُ: الْإِمَامُ الْمُتَّبَعُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ، يُقَالُ: سَنَّ فُلَانٌ سُنَّةً حَسَنَةً وَسَيِّئَةً إِذَا عَمِلَ عَمَلًا اقْتُدِيَ بِهِ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، قَالَ لَبِيدٌ:
مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ ... وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإِمَامُهَا
وَالسُّنَّةُ الْأُمَّةُ، وَالسُّنَنُ الْأُمَمُ، عَنِ الْمُفَضَّلِ. وَأَنْشَدَ:
مَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ فَضْلٍ كَفَضْلِهِمُ ... وَلَا رَأَوْا مِثْلَهُمْ فِي سَالِفِ السُّنَنِ
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْمَعْنَى أَهْلُ سُنَنٍ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَمْثَالٌ. عَطَاءٌ: شَرَائِعُ. مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى" قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ" يُعْنَى بِالْهَلَاكِ فِيمَنْ كَذَّبَ قَبْلَكُمْ كَعَادٍ وَثَمُودَ. وَالْعَاقِبَةُ: آخِرُ الْأَمْرِ، وَهَذَا فِي يَوْمِ أُحُدٍ. يَقُولُ فَأَنَا أُمْهِلُهُمْ وَأُمْلِي لَهُمْ وَأَسْتَدْرِجُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، يَعْنِي بِنُصْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَهَلَاكِ أعدائهم الكافرين.

[سورة آل عمران (٣): آية ١٣٨]
هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨)
يَعْنِي الْقُرْآنَ، عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ:" قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ". والموعظة الوعظ. وقد تقدم.

[سورة آل عمران (٣): آية ١٣٩]
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩)
عَزَّاهُمْ وَسَلَّاهُمْ بِمَا نَالَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمْ وَنَهَاهُمْ عَنِ الْعَجْزِ وَالْفَشَلِ فَقَالَ (وَلا تَهِنُوا) أَيْ لَا تَضْعُفُوا وَلَا تَجْبُنُوا يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عَنْ جِهَادِ أَعْدَائِكُمْ لِمَا أَصَابَكُمْ.

الصفحة 216