كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
عِشْرِينَ، قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ فِي يَوْمَيْنِ، وَنَالُوا مِنْكُمْ فِي يَوْمٍ أُحُدٍ." قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا" أَيْ مِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا الِانْهِزَامُ وَالْقَتْلُ، وَنَحْنُ نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ، وَفِينَا النَّبِيُّ وَالْوَحْيُ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟. (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) يَعْنِي مُخَالَفَةَ الرُّمَاةِ. وَمَا مِنْ قَوْمٍ أَطَاعُوا نَبِيَّهُمْ فِي حَرْبٍ إِلَّا نُصِرُوا، لِأَنَّهُمْ إِذَا أَطَاعُوا فَهُمْ حِزْبُ اللَّهِ، وَحِزْبُ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: يَعْنِي سُؤَالَهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ مَا أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِالْمَدِينَةِ. وَتَأَوَّلَهَا فِي الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا دِرْعًا حَصِينَةً «١». عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ اخْتِيَارُهُمُ الْفِدَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى الْقَتْلِ. وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ: إِنْ فَادَيْتُمُ الْأُسَارَى قُتِلَ مِنْكُمْ عَلَى عِدَّتِهِمْ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ: (إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِالْفِدَاءِ وَاسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ). فَكَانَ آخِرَ السَّبْعِينَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ. فَمَعْنَى" مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ" عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِذُنُوبِكُمْ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ باختياركم.
[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٦٦ الى ١٦٧]
وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧)
يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ وَالْهَزِيمَةِ. (فَبِإِذْنِ اللَّهِ) أَيْ بِعِلْمِهِ. وَقِيلَ: بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهُ. قَالَ الْقَفَّالُ: أَيْ فَبِتَخْلِيَتِهِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ. وَهَذَا تَأْوِيلُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي" فَبِإِذْنِ اللَّهِ" لِأَنَّ" مَا" بِمَعْنَى الَّذِي. أَيْ وَالَّذِي أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ، فَأَشْبَهَ الْكَلَامُ مَعْنَى الشَّرْطَ، كَمَا قال سيبويه: الذي قام فله درهم.
---------------
(١). كذا في د وب وج وهـ، وفى ا: حصنا حصينا.
الصفحة 265