كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ «١» السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ «٢» تَجْأَرُونَ «٣» إِلَى اللَّهِ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ («٤» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: (لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شجرة تعضد). والله أعلم.

[سورة آل عمران (٣): آية ١٧٦]
وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا خَوْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَاغْتَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ". وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي بِهِ الْمُنَافِقِينَ وَرُؤَسَاءَ الْيَهُودِ، كَتَمُوا صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابِ فَنَزَلَتْ. وَيُقَالُ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا شَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ وَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ حَقًّا لَاتَّبَعُوهُ، فَنَزَلَتْ" وَلا يَحْزُنْكَ". قِرَاءَةُ نَافِعٍ بِضَمِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ حَيْثُ وَقَعَ إِلَّا فِي- الْأَنْبِيَاءِ-" لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ" «٥» فَإِنَّهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِضَمِ الزَّايِ. وَضِدَّهُ أَبُو جَعْفَرٍ. وقرا ابن محيصن كلها بضم الياء و [كسر] «٦» الزَّايِ. وَالْبَاقُونَ كُلَّهَا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ.
---------------
(١). الأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها. أي إن كثرة ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثم أطيط، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله عز وجل (عن ابن الأثير).
(٢). الصعدات: الطرق، وهى جمع صعد، كطرق وطرقات. وقيل: جمع صعدة، كظلمة وهى فناء باب الدار، وممر الناس بين يديه.
(٣). جأر القوم جؤارا: رفعوا أصواتهم بالدعاء متضرعين.
(٤). تعضد: تقطع بالمعضد، والمعضد، والمعضاد مثل المنجل يقطع به الشجر. [ ..... ]
(٥). راجع ج ١١ ص ٣٤٦.
(٦). الأصول كلها: بضم الياء والزاي. والصواب ما أثبتناه. راجع ص ٣٤٦ ج ١١.

الصفحة 284