كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
يُكْتَبُ كُلُّهُ. وَقِيلَ: مَعْنَى" لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً" أَيْ لَنْ يَضُرُّوا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ حِينَ تَرَكُوا نَصْرَهُمْ إِذْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَاصِرَهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) أَيْ نَصِيبًا. وَالْحَظُّ النَّصِيبُ وَالْجِدُّ. يُقَالُ: فُلَانُ أَحَظُّ مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ مَحْظُوظٌ. وَجَمْعُ الْحَظِّ أَحَاظٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ «١». قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ رَجُلٌ حَظِيظٌ، أَيْ جَدِيدٌ إِذَا كَانَ ذَا حَظٍّ مِنَ الرِّزْقِ. وَحَظِظْتُ فِي الْأَمْرِ أَحَظُّ. وَرُبَّمَا جُمِعَ الْحَظُّ أَحُظًّا. أَيْ لَا يَجْعَلُ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْجَنَّةِ. وَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٧٧]
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ «٢». (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً) كُرِّرَ لِلتَّأْكِيدِ. وَقِيلَ: أَيْ مِنْ سُوءِ تَدْبِيرِهِ اسْتِبْدَالُ الْإِيمَانِ بِالْكُفْرِ وَبَيْعُهُ بِهِ، فَلَا يَخَافُ جَانِبَهُ وَلَا تَدْبِيرَهُ. وَانْتَصَبَ" شَيْئاً" فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ ضَرَرًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَيَجُوزُ انْتِصَابُهُ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْبَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ بشيء.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٧٨]
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) الْإِمْلَاءُ طُولُ الْعُمْرِ وَرَغَدُ الْعَيْشِ. وَالْمَعْنَى: لَا يَحَسَبَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُخَوِّفُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ قادر
---------------
(١). قال الجوهري: كأنه جمع أحظ. قال ابن برى: وقوله" أحاظ على غير قياس" وهم منه، بل أحاظ جمع أحظ، وأصله أحظظ فقلبت الظاء الثانية ياء فصارت أحظ، ثم جمعت على أحاظ. (عن اللسان).
(٢). راجع ج ١ ص ٢١٠.
الصفحة 286
328