كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

رَأَى الَّذِينَ يَصْنَعُونَ حَمَلَ عَلَيْهِمْ بِبَغْلَتِهِ وَأَهْوَى إِلَيْهِمْ بِالسَّوْطِ فَقَالَ: خَلُّوا! فَوَالَّذِي أَكْرَمَ وَجْهَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ رأينا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهَا لِنَكَادَ نَرْمُلُ بِهَا رَمْلًا، فَانْبَسَطَ الْقَوْمُ. وَرَوَى أَبُو مَاجِدَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَأَلْنَا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ عَنِ الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ فَقَالَ: (دُونَ الْخَبَبِ إِنْ يَكُنْ خَيْرًا يُعَجَّلُ إِلَيْهِ وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ) الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الْإِسْرَاعُ فَوْقَ السَّجِيَّةِ قَلِيلًا، وَالْعَجَلَةُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْإِبْطَاءِ. وَيُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَى ضَعَفَةِ النَّاسِ مِمَّنْ يَتْبَعُهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: بَطِّئُوا بِهَا قَلِيلًا وَلَا تَدِبُّوا دَبِيبَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ الْإِسْرَاعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَعْجِيلَ الدَّفْنِ لَا الْمَشْيِ، وَلَيْسَ بشيء لما ذكرنا. وبالله التوفيق. السادسة- وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: مالك وغيره، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجَاشِيِّ: (قُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ). وَقَالَ أَصْبَغُ: إِنَّهَا سُنَّةٌ. وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا المعنى زيادة بيان في" براءة" «١». السابعة- وَأَمَّا دَفْنُهُ فِي التُّرَابِ وَدَسُّهُ وَسَتْرُهُ فَذَلِكَ وَاجِبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ" [المائدة: ٣١] «٢». وَهُنَاكَ يُذْكَرُ حُكْمُ بُنْيَانِ الْقَبْرِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ، وَكَيْفِيَّةُ جَعْلِ الْمَيِّتِ فِيهِ. وَيَأْتِي فِي" الْكَهْفِ" حُكْمُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ «٣» عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَوْتَى وَمَا يَجِبُ لَهُمْ عَلَى الْأَحْيَاءِ. وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ عَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَالِكٌ بِسُوءٍ فَقَالَ: (لا تذكروا هلكاكم إلا بخير).
---------------
(١). راجع ج ٨ ص ٢١٨.
(٢). راجع ج ٦ ص ١٤١.
(٣). راجع ج ١٠ ص ٣٧٨.

الصفحة 301