كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
الْمَذَاكِي: الْخَيْلُ الَّتِي قَدْ أَتَى عَلَيْهَا بَعْدَ قُرُوحِهَا سَنَةٌ أَوْ سَنَتَانِ، الْوَاحِدُ مُذَكٍّ، مِثْلَ الْمُخْلِفِ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْمَثَلِ جَرْيُ الْمُذَكَّيَاتِ غِلَابٌ «١»، وَالْمُسْنِفَاتُ اسْمُ مَفْعُولٍ، يُقَالُ: سَنَفْتُ الْبَعِيرَ أَسْنِفُهُ سَنْفًا إِذَا كَفَفْتُهُ بِزِمَامِهِ وَأَنْتَ رَاكِبُهُ، وَأَسْنَفَ الْبَعِيرَ لُغَةٌ فِي سَنَفَهُ، وَأَسْنَفَ الْبَعِيرُ بِنَفْسِهِ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَرْكَبُ الْإِبِلَ وَتَجْنُبُ الْخَيْلَ، تَقُولُ: الْحَرْبُ لَا تُبْقِي مَوَدَّةً. وَقَالَ كَعْبُ «٢» بْنُ أَبِي سُلْمَى:
أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُهَا ... وما إخال لدنيا مِنْكِ تَنْوِيلُ
وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةُ وَغَيْرُهُمْ" أَتَوْا" بِقَصْرِ الْأَلِفِ، أَيْ بِمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ. وَقَرَأَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَالْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ" آتَوْا" بِالْمَدِّ، بِمَعْنَى أَعْطَوْا: وقرا سعيد ابن جبير" أوتوا" على ما لم يسو فَاعِلُهُ، أَيْ أُعْطُوا. وَالْمَفَازَةُ الْمَنْجَاةُ، مَفْعَلَةٌ مِنْ فَازَ يَفُوزُ إِذَا نَجَا، أَيْ لَيْسُوا بِفَائِزِينَ. وَسُمِّيَ مَوْضِعُ الْمَخَاوِفِ مَفَازَةً عَلَى جِهَةِ التَّفَاؤُلِ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَفْوِيزٍ وَمَظَنَّةُ هَلَاكٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: فَوَّزَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: حَكَيْتُ لِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَوْلَ الْأَصْمَعِيِّ فَقَالَ أَخْطَأَ، قَالَ لِي أَبُو الْمَكَارِمِ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ مَفَازَةً، لِأَنَّ مَنْ قَطَعَهَا فَازَ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سُمِّيَ اللَّدِيغُ سَلِيمًا تَفَاؤُلًا. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: لِأَنَّهُ مُسْتَسْلِمٌ لِمَا أَصَابَهُ. وَقِيلَ: لَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ مِنَ الْعَذَابِ، لِأَنَّ الْفَوْزَ التباعد عن المكروه. والله أعلم.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٨٩]
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩)
هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، وَتَكْذِيبٌ لَهُمْ. وقيل: المعنى لا تظن الْفَرِحِينَ يَنْجُونَ مِنَ الْعَذَابِ، فَإِنَّ لِلَّهِ كُلَّ شي، وَهُمْ فِي قَبْضَةِ الْقَدِيرِ، فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى، الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، أَيْ إِنَّهُمْ لَا يَنْجُونَ مِنْ عَذَابِهِ، يَأْخُذُهُمْ مَتَى شَاءَ. (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ مُمْكِنٍ (قَدِيرٌ) وَقَدْ مَضَى فِي" البقرة" «٣».
---------------
(١). الغلاب: المغالبة. أي أن المذكى يغالب مجاريه فيغلبه لقوته.
(٢). كذا في الأصول. وهو اختصار من كعب بن زهير إلخ. [ ..... ]
(٣). راجع ج ١ ص ٤٢٢.
الصفحة 308
328