كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

ابن حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَ بِي الْبَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ. وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَاعِدًا قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ فِي النَّافِلَةِ، عَلَى مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا. قَالَ أبو عبد الرحمن «١»: لا أعلم أحد رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ الْحَفَرِيِّ «٢» وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلَا أَحْسَبُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا خَطَأً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَالْقَاعِدِ وَهَيْئَتِهَا، فَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ فِي قيامه، وقال الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فَإِذَا أَرَادَ السُّجُودَ تَهَيَّأَ لِلسُّجُودِ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمُتَنَفِّلُ. وَنَحْوَهُ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ: يَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ كُلِّهَا كَجُلُوسِ التَّشَهُّدِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ «٣» وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ: يَجْلِسُ كَجُلُوسِ التَّشَهُّدِ، وَكَذَلِكَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ. الْخَامِسَةُ- قَالَ «٤»: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْقُعُودَ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ أَوْ ظَهْرِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُصَلِّي عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَكْسُهُ، يُصَلِّي عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْأَيْسَرِ، وَإِلَّا فَعَلَى الظَّهْرِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُصَلِّي عَلَى الْأَيْمَنِ كَمَا يُجْعَلُ فِي لَحْدِهِ، وَإِلَّا فَعَلَى ظَهْرِهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَيْسَرِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا تَكُونُ رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ. وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: يُصَلِّي عَلَى جَنْبِهِ وَوَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. السَّادِسَةُ- فَإِنْ قَوِيَ لِخِفَّةِ الْمَرَضِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِنَّهُ يَقُومُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ وَالطَّبَرِيِّ. وقال أبو حنيفة
---------------
(١). أبو عبد الرحمن: كنية النسائي.
(٢). الحفري (بفتح المهملة والفاء) نسبة إلى موضع بالكوفة واسمه عمر بن سعد بن عبيد.
(٣). في ى: المذهب. وذلك في الهامش تصحيحا.
(٤). في هـ. [ ..... ]

الصفحة 312