كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)
عَزَّ وَجَلَّ:" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ" [التوبة: ٧١] «١». وَيُقَالُ: فُلَانٌ مِنِّي، أَيْ عَلَى مَذْهَبِي وَخُلُقِي. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، أَيْ هَجَرُوا أَوْطَانَهُمْ وَسَارُوا إِلَى الْمَدِينَةِ. (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وجل. (قاتَلُوا) أَيْ وَقَاتَلُوا أَعْدَائِي. (وَقُتِلُوا) أَيْ فِي سَبِيلِي. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ:" وَقَاتَلُوا وَقُتِّلُوا" عَلَى التَّكْثِيرِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ" وَقُتِلُوا وَقَاتَلُوا" لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ إِضْمَارُ قَدْ، أَيْ قُتِلُوا وَقَدْ قَاتَلُوا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَصَابَى وَأَمْسَى عَلَاهُ الْكِبَرْ
أَيْ وَقَدْ عَلَاهُ الْكِبَرُ. وَقِيلَ: أَيْ وَقَدْ قَاتَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، تَقُولُ الْعَرَبُ: قَتَلْنَا بَنِي تَمِيمٍ، وَإِنَّمَا قُتِلَ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَإِنْ تُقَاتِلُونَا نُقَتِّلْكُمُ
وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ:" وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا" خَفِيفَةً بِغَيْرِ أَلِفٍ. (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أَيْ لَأَسْتُرَنَّهَا عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا أُوَبِّخُهُمْ بِهَا وَلَا أُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهَا. (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)
مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، لِأَنَّ مَعْنَى" لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ" لَأُثِيبَنَّهُمْ ثَوَابًا. الْكِسَائِيُّ: انْتَصَبَ عَلَى الْقَطْعِ. الْفَرَّاءُ: عَلَى التَّفْسِيرِ. (وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) أَيْ حُسْنُ الْجَزَاءِ، وَهُوَ مَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ مِنْ «٢» جَرَّاءِ عَمَلِهِ، مِنْ ثَابَ يَثُوبُ. السَّابِعَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) قِيلَ: الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ الْأُمَّةُ. وَقِيلَ: لِلْجَمِيعِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَهُمْ تَجَائِرُ وَأَمْوَالٌ وَاضْطِرَابٌ فِي الْبِلَادِ، وَقَدْ هَلَكْنَا نَحْنُ مِنَ الْجُوعِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. أَيْ لَا يَغُرَّنَّكُمْ سَلَامَتُهُمْ بِتَقَلُّبِهِمْ فِي أَسْفَارِهِمْ. (مَتاعٌ قَلِيلٌ) أَيْ تَقَلُّبُهُمْ مَتَاعٌ قَلِيلٌ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ" يَغُرَّنْكَ" سَاكِنَةَ النُّونِ، وَأَنْشَدَ:
لَا يَغُرَّنْكَ عِشَاءُ سَاكِنٍ ... قَدْ يوافي بالمنيات السحر
---------------
(١). راجع ج ٨ ص ٢٠٢.
(٢). في ز وهـ ود وج: جزاء.
الصفحة 319
328