كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 4)

قَالَ الْأَعْمَشُ: وَأَنَا أَشْهَدُ بِمَا شَهِدَ اللَّهُ بِهِ، وَأَسْتَوْدِعُ اللَّهَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ، وَهِيَ لِي [عِنْدَ اللَّهِ] «١» وَدِيعَةٌ، وَإِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ- قَالَهَا مِرَارًا- فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ وَوَدَّعْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ فَمَا بَلَغَكَ فِيهَا؟ أَنَا عِنْدَكَ مُنْذُ سَنَةٍ لَمْ تُحَدِّثْنِي بِهِ. قَالَ: وَاللَّهِ لَا حَدَّثْتُكَ بِهِ سَنَةً. قَالَ: فَأَقَمْتُ وَكَتَبْتُ عَلَى بَابِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَمَّا مَضَتِ السَّنَةُ قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ مَضَتِ السَّنَةُ. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُجَاءُ بِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدِي عَهِدَ إِلَيَّ وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ (. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ: غَالِبٌ الْقَطَّانُ هُوَ غَالِبُ بْنُ خَطَّافٍ الْقَطَّانُ «٢»، يَرْوِي عَنِ الْأَعْمَشِ حَدِيثَ (شَهِدَ اللَّهُ) وَهُوَ حَدِيثٌ مُعْضَلٌ «٣». قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: غَالِبُ بْنُ خَطَّافٍ الْقَطَّانُ ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ صَالِحٌ. قُلْتُ: يَكْفِيكَ مِنْ عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ أَنْ خَرَّجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَحَسْبُكَ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ قَرَأَ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ عِنْدَ مَنَامِهِ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (. وَيُقَالُ مَنْ أَقَرَّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَنْ عَقْدٍ مِنْ قَلْبِهِ فَقَدْ قَامَ بِالْعَدْلِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ «٤» الْعَرَبِ صَنَمٌ أَوْ صَنَمَانِ. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَصْبَحَتِ الْأَصْنَامُ قَدْ خَرَّتْ سَاجِدَةً لِلَّهِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" شَهِدَ اللَّهُ" أَيْ بَيَّنَ وَأَعْلَمَ، كَمَا يُقَالُ: شَهِدَ فُلَانٌ عِنْدَ الْقَاضِي إِذَا بَيَّنَ وَأَعْلَمَ لِمَنَ الْحَقُّ، أَوْ عَلَى مَنْ هُوَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الشَّاهِدُ هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ الشَّيْءَ وَيُبَيِّنُهُ، فَقَدْ دَلَّنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ بِمَا خَلَقَ وَبَيَّنَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:" شَهِدَ اللَّهُ" بِمَعْنَى قَضَى اللَّهُ، أَيْ أَعْلَمَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا مَرْدُودٌ مِنْ جِهَاتٍ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ" أَنَّ" في قوله
---------------
(١). الزيادة في نسخ ب، ز، ج.
(٢). بضم الخاء، وقيل بفتحها.
(٣). المعضل: ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا.
(٤). في أ.

الصفحة 42