كتاب شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)
5537 - وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا , قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ , عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ " أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: §مَا أَدْرَكَتِ الصَّفْقَةُ حَيًّا فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ "
5538 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , قَدْ كَانَ يَذْهَبُ فِيمَا أَدْرَكَتِ الصَّفْقَةُ حَيًّا , فَهَلَكَ بَعْدَهَا , أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي. فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِالْأَقْوَالِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ , الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ , وَأَنَّ الْبَيْعَ يَنْتَقِلُ بِتِلْكَ الْأَقْوَالِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ إِلَى مِلْكِ الْمُبْتَاعِ , حَتَّى يَهْلِكَ مِنْ مَالِهِ إِنْ هَلَكَ. فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا , أَدَلُّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , فِي الْفُرْقَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا ذَكَرُوا. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا , عَنْ أَبِي بَرْزَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَيْضًا عِنْدَنَا لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ , أَنَّ رَجُلًا بَاعَ صَاحِبَهُ فَرَسًا , فَبَاتَا فِي مَنْزِلٍ , فَلَمَّا أَصْبَحَا , قَامَ الرَّجُلُ يُسْرِجُ فَرَسَهُ , فَقَالَ لَهُ: بِعْتَنِي، فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: إِنْ شِئْتُمَا قَضَيْتُ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ , حَتَّى يَتَفَرَّقَا» وَمَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا. فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ , مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا قَدْ كَانَا تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا , لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ قَامَ يُسْرِجُ فَرَسَهُ , فَقَدْ تَنَحَّى بِذَلِكَ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ. فَلَمْ يُرَاعِ أَبُو بَرْزَةَ ذَلِكَ , وَقَالَ: مَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا، أَيْ لَمَّا كُنْتُمَا مُتَشَاجِرَيْنِ أَحَدُكُمَا يَدَّعِي الْبَيْعَ , وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ , لَمْ تَكُونَا تَفَرَّقْتُمَا الْفُرْقَةَ , الَّتِي يَتِمُّ بِهَا الْبَيْعُ , وَهِيَ خِلَافُ مَا قَدْ تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا , فَقَدْ وَجَدْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَوْلِ , دُونَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» . فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَبَضَهُ , حَلَّ لَهُ بَيْعُهُ , وَقَدْ يَكُونُ قَابِضًا لَهُ قَبْلَ افْتِرَاقِ بَدَنِهِ وَبَدَنِ بَائِعِهِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» وَسَنَذْكُرُ هَذِهِ الْآثَارَ فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا , إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى
5539 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، ح -[17]-
5540 - وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ كُنْتُ أَشْتَرِي التَّمْرَ , فَأَبِيعُهُ بِرِبْحِ الْآصُعِ , فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِذَا اشْتَرَيْتَ فَاكْتَلْ , وَإِذَا بِعْتَ فَكِلْ» فَكَانَ مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا مُكَايَلَةً , فَبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَالَهُ , لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ , فَإِذَا ابْتَاعَهُ , فَاكْتَالَهُ وَقَبَضَهُ , ثُمَّ فَارَقَ بَيِّعَهُ , فَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ , أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ إِلَى إِعَادَةِ الْكَيْلِ وَخُولِفَ بَيْنَ اكْتِيَالِهِ إِيَّاهُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ , وَبَيْنَ اكْتِيَالِهِ إِيَّاهُ قَبْلَ الْبَيْعِ. فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اكْتَالَهُ اكْتِيَالًا , يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ , فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الِاكْتِيَالُ مِنْهُ , وَهُوَ لَهُ مَالِكٌ. وَإِذَا اكْتَالَهُ اكْتِيَالًا , لَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ , فَقَدْ كَالَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ. فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا , وُقُوعُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ بِابْتِيَاعِهِ إِيَّاهُ , قَبْلَ فُرْقَةٍ تَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ , مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ. وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْأَمْوَالَ تُمْلَكُ بِعُقُودٍ , فِي أَبْدَانٍ , وَفِي أَمْوَالٍ , وَفِي مَنَافِعَ , وَفِي أَبْضَاعٍ. فَكَانَ مَا يُمْلَكُ مِنَ الْأَبْضَاعِ , هُوَ النِّكَاحُ , فَكَانَ ذَلِكَ يَتِمُّ بِالْعَقْدِ , لَا بِفُرْقَةٍ بَعْدَهُ. وَكَانَ مَا يُمْلَكُ بِهِ الْمَنَافِعُ , هُوَ الْإِجَارَاتِ , فَكَانَ ذَلِكَ مَمْلُوكًا بِالْعَقْدِ , لَا بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ. فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ , أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ الْأَمْوَالُ الْمَمْلُوكَةُ , بِسَائِرِ الْعُقُودِ , مِنَ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهِمَا , تَكُونُ مَمْلُوكَةً بِالْأَقْوَالِ , لَا بِالْفُرْقَةِ بَعْدَهَا قِيَاسًا وَنَظَرًا , عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
الصفحة 16
416