كتاب شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 4)

5661 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ قَالُوا: فَالْبَيْعُ فِي نَفْسِهِ شَرْطٌ , فَإِذَا شُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ آخَرُ , فَكَانَ هَذَا شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ , فَهَذَا هُوَ الشَّرْطَانِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُمَا عِنْدَهُمْ , الْمَذْكُورَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ خُولِفُوا فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: الشَّرْطَانِ فِي الْبَيْعِ , هُوَ: أَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَالٍّ أَوْ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ إِلَى سَنَةٍ , فَيَقَعُ الْبَيْعُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي أَيَّهُمَا شَاءَ , فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ , لِأَنَّهُ وَقَعَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ. وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ , مِمَّا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّ مُبَشِّرَ بْنَ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ , يُحَدِّثُ عَنْ زَيْنَبَ , امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا بَاعَتْ عَبْدَ اللهِ جَارِيَةً , وَاشْتَرَطَتْ خِدْمَتَهَا. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ «§لَا يَقْرَبَنَّهَا , وَلَا أَجِدُ فِيهَا مَثُوبَةً»
5662 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §لَا يَحِلُّ فَرْجٌ إِلَّا فَرْجٌ إِنْ شَاءَ صَاحِبُهُ بَاعَهُ , وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهُ , وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ , لَا شَرْطَ فِيهِ "
5663 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ §يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ، الرَّجُلُ الْأَمَةَ , عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ فَقَدْ أَبْطَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , بَيْعَ عَبْدِ اللهِ , وَتَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ. وَقَدْ كَانَ لَهُ خِلَافُهُ , أَنْ لَوْ كَانَ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ , لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ عُمَرَ , لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ الْحُكْمِ , وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الْفُتْيَا. وَتَابَعَتْهُمَا زَيْنَبُ , امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ عَلَى ذَلِكَ , وَلَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةٌ. وَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , وَقَدْ عَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا فِي أَمْرِ بَرِيرَةَ , عَلَى مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ. فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ , كَانَ عِنْدَهُ , عَلَى خِلَافِ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الَّذِينَ احْتَجُّوا بِحَدِيثِهِ , وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَا , ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ , وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ , مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ. فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَصْلًا وَإِجْمَاعًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ , وَلَا يُخَالِفُ. فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ. -[48]- وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا رَأَيْنَا الْأَصْلَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ , أَنَّ شُرُوطًا صِحَاحًا , قَدْ تُعْقَدُ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ , مِثْلُ الْخِيَارِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ , لِلْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ , فَيَكُونُ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ جَائِزًا. وَكَذَلِكَ الْأَثْمَانُ , قَدْ تُعْقَدُ فِيهَا آجَالٌ يَشْتَرِطُهَا الْمُبْتَاعُ , فَتَكُونُ لَازِمَةً إِذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً وَيَكُونُ الْبَيْعُ بِهَا مُضَمَّنًا. وَرَأَيْنَا ذَلِكَ الْأَجَلَ , لَوْ كَانَ فَاسِدًا , فَسَدَ بِفَسَادِهِ الْبَيْعُ , وَلَمْ يَثْبُتِ الْبَيْعُ , وَيَنْتَفِي هُوَ إِذَا كَانَ مَعْقُودًا فِيهِ. فَلَمَّا جُعِلَ الْبَيْعُ مُضَمَّنًا بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ الْمَشْرُوطَةِ فِي ثَمَنِهِ , فِي صِحَّتِهَا وَفَسَادِهَا , فَجُعِلَ جَائِزًا بِجَوَازِهَا , وَفَاسِدًا بِفَسَادِهَا , ثُمَّ كَانَ الْبَيْعُ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْمَبِيعِ , وَكَانَ عَبْدًا , عَلَى أَنْ يَخْدُمَ الْبَائِعَ شَهْرًا , فَقَدْ مَلَّكَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ مَلَّكَهُ الْمُشْتَرِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخِدْمَةَ الْعَبْدِ شَهْرًا وَالْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ , غَيْرُ مَالِكٍ لِلْخِدْمَةِ , وَلَا لِلْعَبْدِ , لِأَنَّ مِلْكَهُ لِلْعَبْدِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ , فَصَارَ الْبَيْعُ وَاقِعًا بِمَالٍ وَبِخِدْمَةِ عَبْدٍ , لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي فِي وَقْتِ ابْتِيَاعِهِ بِالْمَالِ , وَبِخِدْمَتِهِ , وَقَدْ رَأَيْنَاهُ لَوِ ابْتَاعَ عَبْدًا لِخِدْمَةِ أَمَةٍ , لَا يَمْلِكُهَا , كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا. فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ أَيْضًا كَذَلِكَ إِذَا عَقَدَ لِخِدْمَةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ مِلْكُهُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْعَقْدِ , لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ. وَلَمَّا كَانَتِ الْأَثْمَانُ مُضَمَّنَةً بِالْآجَالِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ , عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا , كَانَ كَذَلِكَ , الْأَشْيَاءُ الْمَثْمُونَةُ , أَيْضًا الْمُضَمَّنَةُ بِالشَّرَائِطِ الْفَاسِدَةِ وَالصَّحِيحَةِ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ , لَوْ وَقَعَ وَاشْتُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ , أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِفَسَادِ ذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا. فَقَدِ انْتَفَى قَوْلُ مَنْ قَالَ «يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ» وَقَوْلُ مَنْ قَالَ «يَجُوزُ الْبَيْعُ , وَيَثْبُتُ الشَّرْطُ» . وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلٌ غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ , وَغَيْرُ الْقَوْلِ الْآخَرِ «إِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ إِذَا اشْتُرِطَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ» . فَلَمَّا انْتَفَى الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ , ثَبَتَ هَذَا الْقَوْلُ الْآخَرُ , وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ

الصفحة 47