كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 4)

كما سيأتي بألفاظ عديدة كل ذلك لأجل الشبهة التي عرضت في أمره ولأنها قالت الجهينة أتريد أن تردني كما رددت ماعزا فعلم أن الترديد ليس بشرط في الإقرار وبعد فلو سلمنا أنه لا اضطراب وأنه أقر أربع مرات فهذا فعل منه أمره صلى الله عليه سلم ولا طلبه لتكرار إقراره بل فعله من تلقاء نفسه وتقريره عليه دليل على جوازه لا على شرطيته واستدل الجمهور بالقياس على أنه قد اعتبر في الشهادة على الزنا أربعة ورد بأنه استدلال واضح البطلان لأنه قد اعتبر في المال عدلان والإقرار به يكفي مرة واحدة اتفاقا
المسألة الثانية دلت ألفاظ الحديث على أنه يجب على الإمام الاستفصال عن الأمور التي يجب معها الحد فإنه قد روي في هذا الحديث ألفاظ كثيرة دالة عليه ففي حديث بريدة أنه قال: "أشربت خمر" ا قال لا وأنه قام رجل يستنكهه فلم يجد فيه ريحا وفي حديث ابن عباس "لعلك قبلت أو غمزت" وفي رواية " هل ضاجعتها؟" قال نعم قال: "فهل باشرتها؟" قال نعم قال "هل جامعتها؟" قال نعم وفي حديث ابن عباس أنكتها لا يكني رواه البخاري وفي حديث أبي هريرة "أنكحتها؟" قال نعم قال "دخل ذلك منك في ذلك منها" قال نعم قال "كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟" قال نعم قال تدري ما الزنا قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال: "فما تريد بهذا القول؟" قال تطهرني فأمر به فرجم فدل جميع ما ذكر على أنه يجب الاستفصال والتبين وأنه يندب تلقين ما يسقط الحد وأن الإقرار لا بد فيه من اللفظ الصريح الذي لا المواقعة وقد روي عن جماعة من الصحابة تلقين المقر كما أخرجه مالك عن أبي الدرداء وعن علي عليه السلام في قصة شراحة فإنه قال لها علي استكرهت قالت لا قال فلعل رجل أتاك في نومك الحديث وعند المالكية أنه لا يلقن من اشتهر بانتهاك الحرمات وفي قوله أشربت خمرا دليل على أنه لا يصح إقرار السكران وفيه خلاف وفيه دليل على أنه يحفر للرجل عند رجمه لأن في حديث بريدة عند مسلم فحفر له حفيرة وفي الحديث عند البخاري أنها لما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه زاد في رواية حتى مات وأخرج أبو داود أنه قال صلى الله عليه وسلم يعني حين أخبر بهربه هلا رددتموه إلي وفي رواية "تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه" وأخذ من هذا الهادوية والشافعي وأحمد أنه يصح رجوع المقر عن الإقرار فإذا هرب ترك لعله يرجع
وفي قوله صلى الله عليه وسلم "لعله يتوب" إشكال لأنه ما جاء إلا تائبا يطلب تطهيره من الذنب وقد أخرج أبو داود أنه قال صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز "والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها" ولعله يجاب بأن المراد لعله يرجع عن إقراره ويتوب بينه وبين الله تعالى فيغفر له أو المراد يتوب عن إكذابه نفسه واعلم أن قوله فأمر به فرجموه يدل أنه صلى الله عليه وسلم لم يحضر الرجم وأنه لا يجب أن يكون أول من يرجم الإمام فيمن ثبت عليه الحد بالإقرار وإلى هذا ذهب الشافعي

الصفحة 7