كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 4)

إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، وخالد يأخذ بِهِمْ أَسْرًا وَقَتْلًا، قَالَ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ يَوْمًا أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، قَالَ فَقَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فذكروا صَنِيعَ خَالِدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ «اللَّهمّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» مَرَّتَيْنِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ نَحْوَهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ لَهُمْ جَحْدَمٌ لَمَّا رأى ما يصنع خَالِدٌ: يَا بَنِي جَذِيمَةَ ضَاعَ الضَّرْبُ قَدْ كنت حذرتكم مما وَقَعْتُمْ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- فِيمَا بَلَغَنِي- كَلَامٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَمِلْتَ بِأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ إِنَّمَا ثَأَرْتُ بِأَبِيكَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَذَبْتَ قَدْ قَتَلْتُ قَاتِلَ أَبِي، وَلَكِنَّكَ ثَأَرْتَ بِعَمِّكَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ حَتَّى كَانَ بَيْنَهُمَا شَرٌّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «مَهْلًا يَا خَالِدُ دَعْ عنك أصحابى فو الله لَوْ كَانَ لَكَ أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمَّ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكْتَ غَدْوَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي وَلَا رَوْحَتَهُ» ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّةَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ عَمِّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي خُرُوجِهِ هُوَ وَعَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ وَمَعَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَمَعَهُ ابْنُهُ عُثْمَانُ فِي تِجَارَةٍ إِلَى الْيَمَنِ وَرُجُوعِهِمْ وَمَعَهُمْ مَالٌ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ كَانَ هَلَكَ بِالْيَمَنِ فَحَمَلُوهُ إِلَى وَرَثَتِهِ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ وَلَقِيَهُمْ بِأَرْضِ بَنِي جَذِيمَةَ فَطَلَبَهُ مِنْهُمْ [قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ] فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَقَاتَلَهُمْ فَقَاتَلُوهُ حَتَّى قُتِلَ عَوْفٌ وَالْفَاكِهُ وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُمَا وَقَتَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَاتِلَ أَبِيهِ خَالِدَ بْنَ هِشَامٍ وَفَرَّ مِنْهُمْ عَفَّانُ وَمَعَهُ ابْنُهُ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَهَمَّتْ قُرَيْشٌ بِغَزْوِ بَنِي جَذِيمَةَ فبعث بَنُو جَذِيمَةَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِمْ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ مَلَأٍ مِنْهُمْ وَوَدَوْا لَهُمُ الْقَتِيلَيْنِ وَأَمْوَالَهُمَا وَوَضَعُوا الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ، يَعْنِي فَلِهَذَا قَالَ خَالِدٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّمَا ثَأَرْتُ بِأَبِيكَ يَعْنِي حِينَ قتلته بنو حذيمة، فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ ثَأْرَهُ وَقَتَلَ قَاتِلَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا ثَأَرَ بِعَمِّهِ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ حِينَ قَتَلُوهُ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُ، وَالْمَظْنُونُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا فِي وَقْتِ الْمُخَاصَمَةِ فَإِنَّمَا أَرَادَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ نُصْرَةَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ فِي أَمْرٍ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُمْ يَنْتَقِصُونَ الْإِسْلَامَ بِقَوْلِهِمْ صَبَأْنَا صَبَأْنَا، وَلَمْ يَفْهَمْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا فَقَتَلَ طَائِفَةً كَثِيرَةً مِنْهُمْ وَأَسَرَ بَقِيَّتَهُمْ، وَقَتَلَ أَكْثَرَ الْأَسْرَى أَيْضًا، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَعْزِلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ اسْتَمَرَّ بِهِ أَمِيرًا وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْهُ فِي صَنِيعِهِ ذَلِكَ وَوَدَى مَا كَانَ جَنَاهُ خَطَأً فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ خَطَأَ الْإِمَامِ يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا فِي مَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِهَذَا لَمْ يَعْزِلْهُ الصِّدِّيقُ حِينَ قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ أَيَّامَ الرِّدَّةِ وَتَأَوَّلَ عَلَيْهِ مَا تَأَوَّلَ حِينَ ضَرَبَ عُنُقَهُ وَاصْطَفَى امْرَأَتَهُ أُمَّ تَمِيمٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اعْزِلْهُ فَإِنَّ فِي سَيْفِهِ رَهَقًا فَقَالَ الصِّدِّيقُ: لَا أَغْمِدُ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى المشركين

الصفحة 314