كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 4)

ضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا، قَالَ: بِئْسَ مَا سَلَّحَتْكَ أُمُّكَ خُذْ سَيْفِي هَذَا مِنْ مُؤَخَّرِ رَحْلِي فِي الشِّجَارِ ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ وَارْفَعْ عَنِ الْعِظَامِ وَاخْفِضْ عَنِ الدِّمَاغِ فَإِنِّي كَذَلِكَ كُنْتُ أَضْرِبُ الرِّجَالَ، ثُمَّ إِذَا أَتَيْتَ أُمَّكَ فَأَخْبِرْهَا أَنَّكَ قَتَلْتَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَرُبَّ وَاللَّهِ يَوْمٍ مَنَعْتُ فِيهِ نِسَاءَكَ، فَزَعَمَ بَنُو سُلَيْمٍ أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ لَمَّا ضَرَبْتُهُ فَوَقَعَ تَكَشَّفَ فَإِذَا عِجَانُهُ وَبُطُونُ فَخِذَيْهِ مِثْلُ الْقَرَاطِيسِ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ أَعْرَاءً. فَلَمَّا رَجَعَ رَبِيعَةُ إِلَى أُمِّهِ أَخْبَرَهَا بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ فَقَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْتَقَ أُمَّهَاتٍ لَكَ ثَلَاثًا. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَا رَثَتْ بِهِ عَمْرَةُ بِنْتُ دُرَيْدٍ أَبَاهَا فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهَا:
قَالُوا قَتَلْنَا دُرَيْدًا قُلْتُ قَدْ صَدَقُوا ... فَظَلَّ دَمْعِي عَلَى السِّرْبَالِ مُنْحَدِرُ
لَوْلَا الَّذِي قَهَرَ الْأَقْوَامَ كُلَّهُمُ ... رَأَتْ سُلَيْمٌ وَكَعْبٌ كَيْفَ يأتمر
إِذَنْ لَصَبَّحَهُمْ غِبًّا وَظَاهِرَةً ... حُيْثُ اسْتَقَرَّتْ نَوَاهُمْ جَحْفَلٌ ذَفِرُ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِ مَنْ تَوَجَّهَ قِبَلَ أَوْطَاسٍ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ فَأَدْرَكَ مِنَ النَّاسِ بَعْضَ مَنِ انْهَزَمَ فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فَقُتِلَ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ فَقَاتَلَهُمْ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ دُرَيْدٍ هُوَ الَّذِي رَمَى أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَقَتَلَهُ وَقَالَ:
إِنْ تَسْأَلُوا عَنِّي فَإِنِّي سَلَمَهْ ... ابْنُ سَمَادِيرَ لِمَنْ تَوَسَّمَهْ
أَضْرِبُ بِالسَّيْفِ رُءُوسَ المسلمة
قال ابن إسحاق: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ وَحَدِيثِهِ أَنَّ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ لَقِيَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ عَشَرَةَ إِخْوَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِ آخَرُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ، ثُمَّ جَعَلُوا يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَتَلَ تِسْعَةً وَبَقِيَ الْعَاشِرُ فَحَمَلَ عَلَى أَبِي عَامِرٍ وَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهمّ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ فَكَفَّ عَنْهُ أَبُو عَامِرٍ فَأَفْلَتَ فَأَسْلَمَ بَعْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَآهُ قَالَ: «هَذَا شَرِيدُ أَبِي عَامِرٍ» قَالَ وَرَمَى أَبَا عَامِرٍ، أَخَوَانِ الْعَلَاءُ وَأَوْفَى أَبْنَاءُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا قَلْبَهُ وَالْآخِرُ رُكْبَتَهُ فَقَتَلَاهُ، وَوَلَّى النَّاسُ أَبَا مُوسَى فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، فقال رجل من بنى جشم يرثيهما:
إن الرَّزِيَّةَ قَتْلُ الْعَلَاءِ ... وَأَوْفَى جَمِيعًا وَلَمْ يُسْنَدَا
هما القاتلان أبا عامر ... وقد كان داهية أَرْبَدَا
هُمَا تَرَكَاهُ لَدَى مَعْرَكٍ ... كَأَنَّ عَلَى عطفه مجسدا

الصفحة 338