كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 4)

الْعَلَامَةَ فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ وَخَيَّرَهَا وقال «إن أحببت فعندي محببة مُكَرَّمَةٌ، وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أُمَتِّعَكِ وَتَرْجِعِي إِلَى قَوْمِكِ فَعَلْتُ؟» قَالَتْ: بَلْ تُمَتِّعُنِي وَتَرُدُّنِي إِلَى قَوْمِي، فَمَتَّعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدَّهَا إِلَى قَوْمِهَا فَزَعَمَتْ بَنُو سَعْدٍ أَنَّهُ أَعْطَاهَا غُلَامًا يُقَالُ لَهُ مَكْحُولٌ وَجَارِيَةً فَزَوَّجَتْ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مِنْ نَسْلِهِمَا بَقِيَّةٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ هَوَازِنَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أُخْتُكَ أَنَا شَيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَقَالَ لَهَا «إِنْ تَكُونِي صَادِقَةً فَإِنَّ بِكِ مِنِّي أَثَرٌ لَا يَبْلَى» قَالَ فَكَشَفَتْ عَنْ عَضُدِهَا فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنْتَ صَغِيرٌ فَعَضِضْتَنِي هَذِهِ الْعَضَّةَ، قَالَ فَبَسَطَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَاءَهُ ثُمَّ قَالَ «سَلِي تُعْطَيْ وَاشْفَعِي تشفعي» . وقال البيهقي أنبأ أبو نصر بن قتادة انبأ عمرو بن إسماعيل ابن عبد السلمي ثنا مُسْلِمٍ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ ثَوْبَانَ أَخْبَرَنِي عَمِّي عُمَارَةُ بْنُ ثَوْبَانَ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ قَالَ: كُنْتُ غلاما أحمل عضو الْبَعِيرِ، وَرَأَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ نعما بِالْجِعْرَانَةِ، قَالَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَقُلْتُ مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أُخْتَهُ وَقَدْ كَانَتْ تَحْضُنُهُ مَعَ أُمِّهَا حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَقَدْ عَمَّرَتْ حَلِيمَةُ دَهْرًا فَإِنَّ مِنْ وَقْتِ أَرْضَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَقْتِ الْجِعْرَانَةِ أَزْيَدَ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً، وَأَقَلُّ مَا كَانَ عُمْرُهَا حِينَ أرضعته صلّى الله عليه وسلّم ثلاثين سَنَةً، ثُمَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا عَاشَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ فِيهِ أَنَّ أَبَوَيْهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ قَدِمَا عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ السَّائِبِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا يَوْمًا فَجَاءَهُ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ فَجَلَسَتْ عليه، ثم جاءه أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَوَازِنَ بِكَمَالِهَا مُتَوَالِيَةٌ بِرَضَاعَتِهِ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَهُمْ شِرْذِمَةٌ مِنْ هَوَازِنَ، فَقَالَ خَطِيبُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ: يَا رسول الله إنما فِي الْحَظَائِرِ أُمَّهَاتُكَ وَخَالَاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ وَقَالَ فِيمَا قَالَ:
امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... إِذْ فُوكَ يَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا دِرَرُ
امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... وَإِذْ يَزِينُكَ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ
فَكَانَ هَذَا سَبَبَ إِعْتَاقِهِمْ عَنْ بكرة أبيهم فعادت فواضله عليه السلام عَلَيْهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا خُصُوصًا وَعُمُومًا. وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النُّضَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ ابن كلدة من أجمل النَّاسِ فَكَانَ يَقُولُ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِالْإِسْلَامِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ نَمُتْ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ الْآبَاءُ، وَقُتِلَ عَلَيْهِ الْإِخْوَةُ، وَبَنُو الْعَمِّ. ثُمَّ ذَكَرَ عَدَاوَتَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وأنه

الصفحة 364