كتاب الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه ت النحال (اسم الجزء: 4)

مُسَدَّدٌ، نا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، سَمِعَ عِيَاضًا، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: لَا أُخْرِجُ أَبَدًا إِلَّا صَاعًا، كُنَّا (¬1) نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ أَقِطٍ، أَوْ زَبِيبٍ (¬2).
قَالَ الشَّيْخُ - رحمه الله -: زَعَمَ بَعْضُ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ. أَنْ لَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا يُعْطُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلَيْهِمْ وَيَزِيدُونَ فَضْلًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَشْهَدَ بِرِوَايَةٍ رَوَاهَا عَنِ الْحَسَنِ؛ أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِزَكَاةِ رَقِيقِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنَّ مَرْوَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُعْطِيَ لِكُلِّ رَأْسٍ صَاعًا (¬3) مِنْ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ.
وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَلأَنَّ مَرْوَانَ إِنَّمَا كَانَ يُطَالِبُهُمْ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى تَعْدِيلِ مُعَاوِيةَ.
فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَدْ أَعْطَيْتُ ذَلِكَ فَلِمَ تُطَالِبُنِي بِالزِّيَادَةِ؟ !
وَقَدْ أَخْبَرَ فِي حَدِيثِ عِيَاضٍ بِمَا كَانَ يُخْرِجُهُ، وَأَنْكَرَ تَعْدِيلَ مُعَاوِيَةَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا عَنْهُ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا!
وَلَوْ جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي الطَّعَامِ: كَانُوا يُخْرِجُونَ بَعْضَهُ فَرْضًا وَبَعْضَهُ فَضْلًا. لَجَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ فِي سَائِرِ الْأَجْنَاسِ، وَلَجَازَ لِغَيْرِهِ يَقُولُ فِي الْمُدَّيْنِ: إِنَّمَا قَالَهُ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَكِنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
¬__________
(¬1) في أصل الرواية: "إنا كنا".
(¬2) أخرجه أبو داود في السنن، رواية ابن داسة (ق 123).
(¬3) في (س): "بصاع"، والمثبت من المختصر.

الصفحة 425