كتاب الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل المرتب على أبواب الفقه (اسم الجزء: 4)

قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه".
قلت: ومع هذا الانقطاع فيه من لا يُعرف، وهو أبو محمد، كذا جاء ذكره في السنن، واعتمده المزي فذكره في الكُنى. وجاء مثله في مسند الإمام أحمد (٤٠٧٧، ٤٠٧٩).
وقيل: اسمه محمد بن أبي محمد، هكذا جاء أيضًا في "المسند" (٣٥٥٤، ٤٠٧٨)، فرجَّح الحافظ الأول، وبه جزم أبو أحمد الحاكم. وأبو محمد هذا لا يُعرف من هو.
وعن أبي نضرة السَّلَمي مرفوعًا: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلَّا كانوا له جُنَّة من النار". فقالت امرأة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله! أو اثنان؟ قال: "أو اثنان".
رواه مالك في الجنائز (٣٩) عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن أبي النضر السَّلَمي، فذكر مثله.
قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (٨/ ٣٣٠): "هذا الحديث قد اضطرب فيه رواة "المؤطَّأ" في أبي النضر هذا، فطائفة تقول كما قال يحيي: عن أبي النضر، وطائفة تقول: عن أبي النضر السَّلَمي، منهم القعنبي". قال: "وهو رجل مجهول لا يعرف في حملة العلم، ولا يوقف له على نسبٍ، ولا يُدرى أصاحب هو أو تابع؟ وهو مجهولٌ، ظلمةٌ من الظلمات، قيل فيه: محمد بن النضر، وقيل: عبد الله بن النضر، وقال فيه أكثرهم: السَّلَمي -بفتح السين واللام، كأنَّه من بني سلمة في الأنصار، وقال بعض المتأخرين فيه: إنَّه أنس بن مالك بن النضر، نُسب إلى جدِّه النضر. قال: وكنية أنس بن مالك: أبو النضر، وهذا جهلٌ واضحٌ وغباوةٌ بيِّنةٌ؛ وذلك أنَّ أنس بن مالك بن النضر ليس من بني سلمة، وإنَّما هو من بني عدي بن النجار، لم يكن قط بأبي النضر، وإنَّما كنيته: أبو حمزة". انتهى.
وعن الحارث بن أُقيش (بالقاف - مصغَّرًا) قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراطٍ إلَّا أدخلهما الله الجنَّة بفضل رحمته". قالوا: يا رسول الله! وثلاثة؟ قال: "وثلاثة". قالوا: "واثنان؟ " قال: "واثنان".
رواه الإمام أحمد (١٧٨٥٩) والطبراني في "الكبير" (٣/ ٣٠٠) كلاهما من طريق داود بن أبي هند، عن عبد الله بن قيس، عن الحارث بن أقيش، قال: كُنَّا عند أبي برزة ليلةً، فحدَّث ليلتئذٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الحديثَ مثله.
هكذا رواه الإمام أحمد، وبادئ النظر يظهر منه أنَّ الحديثَ من مسند أبي برزة، وهو نضلة بن عبيد الصحابي المشهور بكنيته، ولكن الصواب أنَّه من مسند الحارث بن أقيش. وهو الذي يدل عليه صنيع الإمام أحمد، فإنَّه ذكره في مسند الحارث بن أُقيش، وكذلك فعله الطبراني، وكذلك أخرجه الحاكم "في المستدرك" (١/ ٧٧) من طريق داود بن أبي هند، فلا بدَّ أن نُفسِّر قوله في مسند الإمام أحمد: "قال" أي عبد الله بن قيس، فحدّث ليلتئذٍ، أي الحارث بن أُقيش. ليكون موافقًا

الصفحة 14