فممن ندر1 من النساء في باب من الأبواب: أم أيوب الأنصارية2، أم الدرداء3، ورابعة القيسية4 ومعاذة العدوية5، فإن هؤلاء النسوة تقدمن في الفضل والصلاح، على تقدم بعضهن بعضاً.
حدثني الجاحظ عن إبراهيم بن السندي، قال: وكانت تصير إلي هاشمية جارية حمدونة في حاجات صاحبتها، فأجمع نفسي لها، وأطرد الخواطر عن فكري، وأحضر ذهني جهدي، خوفاً من أن تورد علي ما لا أفهمه، لبعد غورها، واقتدارها على أن تجري على لسانها ما في قلبها.
وكذلك ما يؤثر عن خالصة وعتبة جاريتي ربطة بنت أبي العباس. فأما النساء الأشراف فإن القول فيهن كثير متسع.
__________
1 ندر: ظهر وبرز
2 أم أيوب بنت قيس الخزرجية, زوج أبو أيوب الأنصاري الصحابي.
3 أم الدرداء: زوج أبي الدرداء الخزرجي الصحابي
4 رابعة بنت إسماعيل العدوية من ولد مالك بن ضبيعة بن قيس
5 معاذة بنت عبد الله العدوية
من مراثي الخنساء
فمما ندر من شعر الخنساء قولها ترثي صخراً:
يا صخر وراد ماء قد تناذره1 ... أهل المياه وما في ورده عار
مشى السبنتى إلى هيجاء معضلة ... له سلاحان: أنياب وأظفار2
وما عجول على بو تحن له ... لها حنينان: إغلان وإسرار
ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
يوماً بأوجع مني يوم فارقني ... صخر، وللعيش إخلاء وإمرار
وإن صخراً لوالينا وسيدنا ... وإن صخراً إذا نشتو لنحار
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
لم تره جارة يمشي بساحتها ... لريبة حين يخلي بيته الجار
__________
1 تناذره, أي أنذر بعضهم بعضا وأخافه
2 الهيجاء: الحرب.