كتاب أبحاث هيئة كبار العلماء (اسم الجزء: 4)

عن نفسه من الخير ما لا يفعله، أما في الماضي فيكون كذبا وأما في المستقبل فيكون خلفا وكلاهما مذموم وتأول سفيان بن عيينة قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (¬1) أي: لم تقولون ما ليس الأمر فيه إليكم فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون، فعلى هذا يكون الكلام محمولا على ظاهره في إنكار القول (¬2) .
وقال القرطبي أيضا: وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي وسائر الفقهاء: إن العدة لا يلزمه منها شيء؛ لأنها منافع لم يقبضها في العارية؛ لأنها طارئة، وفي غير العارية هي أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض فلصاحبها الرجوع فيها. انتهى المقصود (¬3)
وقال القرافي: الفرق الرابع عشر والمئتان بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد وما يجب الوفاء به منه وما لا يجب.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} (¬4) {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (¬5) والوعد إذا أخلف قول لم يفعل فيلزمه أن يكون كذبا محرما، وأن يحرم إخلاف الوعد مطلقا. وقال عليه السلام: «من علامة المنافق ثلاث: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف (¬6) » ، فذكره في سياق الذم دليل على التحريم، ويروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «وأي المؤمن واجب» أي: وعده واجب الوفاء به. وفي [الموطأ] «قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أكذب
¬__________
(¬1) سورة الصف الآية 2
(¬2) [تفسير القرطبي] (18\ 79، 80) .
(¬3) [تفسير القرطبي] (11\ 116) .
(¬4) سورة الصف الآية 2
(¬5) سورة الصف الآية 3
(¬6) صحيح البخاري الإيمان (33) ، صحيح مسلم الإيمان (59) ، سنن الترمذي الإيمان (2631) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5021) ، مسند أحمد بن حنبل (2/536) .

الصفحة 168