كتاب التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة ت الفريح (اسم الجزء: 4)

وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة الخوف نحو ما ذهب إليه أبو حنيفة (¬1)، فأولى الخبرين ما وافق الكتاب والأصول، وخبرنا موافق لهما، وخبرهم مخالف لها، فأما موافقته لظاهر القرآن: فهو أن الله تعالى قال: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102]، والمراد بهذا سجود الطائفة الأولى في الركعة الثانية، بدليل: أنه أضافه إليهم، والصلاة التي يشترك فيها الإمام والمأموم تضاف إلى الإمام والمأموم، ولا تضاف إلى المأموم وحده؛ لأنه تبع ألا ترى أنه قال في أول الآية: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} فأضاف ذلك إليه, ثم قال: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} فأضاف ذلك إليهما, وهكذا جميع الآية, فلما أضاف السجود إلى الطائفة علم أنها تنفرد بذلك دون الإمام، وليس ذلك إلا السجود في الثانية، وقد أخبر أنها تأتي به وراء الإمام، وعند أبي حنيفة: أنها لا تأتي به وراءه، ولو كان المراد به: سجود الطائفة الثانية لم يضف ذلك إلى المأموم؛ لأنه تبع للإمام فيها، فكان يقول: فإذا سجدت بهم، فلما أضاف ذلك إليهم علم أن المراد به الطائفة الأولى في الركعة الثانية، وعند أبي حنيفة أن الطائفة الأولى لا تفعل الثانية خلف الإمام.
¬__________
= المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، رقم (4129 و 4131)، وصحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف، رقم (842).
(¬1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، رقم (4133)، ومسلم كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف، رقم (839).

الصفحة 10