الآية
(لا بعدها) أي القدرة فلا تسقط تلك العقوبات عنه بالتوبة منها لمفهوم الآية وإلا لما كان للتخصيص بقوله {من قبل} فائدة والفرق من جهة المعنى إنه بعد القدرة منهم لدفع قصد الحد بخلاف ما قبلها فإنها بعيدة عن التهمة قريبة من الحقيقة وقوله (على المذهب) راجع للمسألتين وقيل في كل منهما قولان كالقولين في سقوط حد الزاني والسارق بالتوبة
أما غير هذه العقوبات مما ذكر هنا من قصاص وضمان وغيرهما فلا يسقط بالتوبة مطلقا كما في غير هذا الباب
تنبيه المراد بالتوبة قبل القدرة الثابتة فلو ظفرنا به فادعى سبق توبته ففي الكفاية عن الأحكام السلطانية للماوردي إنه إن لم تظهر أمارتها لم يصدق وإلا فوجهان محتملان وقضية كلامه استواء التوبة التي قبل القدرة والتي بعدها وليس مرادا فإن الأولى يكتفي بمجردها والثانية يشترط فيها إصلاح العمل كما قاله جماعة من العراقيين وصححه الرافعي في الشرح والصغير ولو ثبت قطع الطريق والقتل بإقراره ثم رجع قبل رجوعه كما ذكره في التنبيه في أوائل الإقرار
(ولا تسقط سائر) أي باقي (الحدود) المختصة بالله تعالى كالزنا والسرقة وشرب الخمر (بها) أي التوبة في قاطع الطريق وغيره (في الأظهر) لأنه صلى الله عليه وسلم لما جاءه ماعز وأقر بالزنا حده ولا شك أنه لم يأته إلا وهو تائب فلما أقام عليه الحد دل على أن الاستثناء في المحارب وحده والثاني تسقط بها قياسا على حد قاطع الطريق وصححه البلقيني
تنبيه يرد على المصنف تارك الصلاة كسلا فإنه يقتل حدا على الصحيح ومنع ذلك لو تاب سقط القتل قطعا والكافر إذا زنى ثم أسلم فإنه يسقط عنه الحد كما نقله في الروضة عن النص ومرت الإشارة إليه في باب الزنا
ولا يرد عليه المرتد إذا تاب حيث تقبل توبته ويسقط القتل لأنه إذا أضر يقتل كفرا لا حدا ومحل الخلاف على السقوط وعدمه في ظاهر الحكم أما فيما بينه وبين الله تعالى فيسقط قطعا لأن التوبة تسقط سائر المعصية كما نبه عليه في زيادة الروضة في باب السرقة وقد قال صلى الله عليه وسلم التوبة تجب ما قبلها وورد التائب من الذنب كمن لا ذنب له وإذا أقيم الحد في الدنيا لم يقم في الآخرة كما قاله الجيلي لحديث الله أعدل أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة وقد مرت الإشارة إلى ذلك مع زيادة في أول باب الجراح
فصل في إجماع عقوبات في غير قاطع الطريق
وهي إما لآدمي أو لله تعالى أولهما وقد بدأ بالقسم الأول قال (من لزمه) لجماعة (قصاص) في نفس (وقطع) لطرف آدمي (وحد قذف) لآخر (وطالبوه) بذلك (جلد) أولا للقذف (ثم قطع) لقصاص الطرف ثم قتل لقصاص النفس لأن ذلك أقرب إلى استيفاء الجميع فإن اجتمع مع ذلك تعزير لآدمي بدىء به (ويبادر بقتله بعد قطعه) فلا تجب المهلة بينهما لأن النفس مستوفاة (لا قطعه بعد جلده إن غاب مستحق قتله) جزما لأنه قد يهلك بالموالاة فيفوت قصاص النفس (وكذا إن حضر وقال عجلوا القطع) وأنا أبادر بالقتل بعده فإنا لا نعجله (في الأصح) لما مر والثاني نبادر لأن التأخير كان لحقة وقد رضي بالتقديم
(وإذا أخر مستحق النفس حقه) وطلب الآخران حقهما (جلد) للقذف أولا (فإذا برأ) بفتح الراء ويجوز كسرها من الجلد (قطع) للطرف ولا يوالي بينهما خوف الهلاك فيفوت قصاص النفس فإن قيل كان المصنف في غنى عن هذا بما ذكر فيما إذا غاب مستحق القتل
أجيب بأنه إنما أعاده لضرورة التقسيم (ولو أخر مستحق طرف) وطلب (حتى يستوفي الطرف) سواء أتقدم استحقاق النفس أم تأخر حذرا من فواته وإن قال البلقيني الذي نقوله إن لمستحق النفس أن يقول لمستحق الطرف إما أن تستوفى أو تعفو أو تأذن لي في التقديم ويجبره الحاكم على أحد هذه المذكورات فإن أبى ذلك مكن الحاكم مستحق النفس من القتل لأنه ظهر الضرر من مستحق الطرف وليس له عذر يمنعه من ذلك ومستحق القتل طالب حق أثبته الله له بقوله {فقد جعلنا لوليه سلطانا} فإن المقذوف حقه من قاذفه (جلد و وجب (على مستحق
____________________