كتاب وفيات الأعيان (اسم الجزء: 4)

ولا بأس أن نعيد هنا حقيقتين وردنا في النصوص التي نقلناها عن ولد المؤلف وهما:
(1) أن نقل المجلد الثاني من المختار بدأ في ذي الحجة سنة 701، وهذا يعني طبعاً أن نقل المجلد الأول بدأ قبل ذلك، ولكنا لا نظنه بدأ قبل العام المذكور.
(2) أن ابن المؤلف حين كان ينقل المجلد الأول وبعض الثاني كان يسكن مدينة بعلبك، ونزيد هنا أنه حين انتهى من ترجمة ابن شداد (الورقة 289) انتقل من بعلبك إلى دمشق، وهو يشير إلى ذلك بقوله: " قلت، أعني كاتبها موسى بن أحمد لطف الله به: هذا آخر ما نقلته من أول كتاب وفيات الأعيان المشار إليه إلى هذا المكان بمدينة بعلبك المحروسة، وذلك في يوم الاثنين سابع صفر سنة اثنتين وسبعمائة، ويتلوه ما أنقله منه بدمشق المحروسة إن شاء الله تعالى ".
ثم انتهى من نقل بقية الكتاب بدمشق يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر سنة 702 وهو يسكن قبل الصالحيين بخط ابن جهاركس، قال: " وكان مبدأ ما اخترته منه بدمشق عند قدومي إليها من بعلبك يوم الأحد العشرون من شهر ربيع الأول سنة 702 ". وهذا يفيد أنه حين كان في بعلبك أنهى حوالي 138 ورقة في 65 يوماً، وحين كان في دمشق أنجز نسخ 45 ورقة في 12 يوماً، وذلك يعطي فكرة تقريبية عن نسخ الكتاب كله، إذا كان النسخ متتابعاً دون انقطاع؛ ويجب أن نذكر هنا أن النسخ لم يكن دائماً مطرداً، لأن موسى كان يختار، ويتوقف عندما يحذفه أو يثبته.
تلك هي نسخة " المختار " وعلى أنها غير كاملة، وقد سقطت منها أوراق في عدة مواضع، فإنها تعد نسخة بالغة الأهمية، ولعلها تلي " مسودة المؤلف " من حيث القيمة؛ ولما كان جانب كبير من مسودة المؤلف بعد حرف الغين ما يزال مفقوداً، فقد كانت الاستعانة بالمختار أمراً ضرورياً أثناء التحقيق لأنه منقول مباشرة عن نسخة المؤلف، ولأن الذي نقله امرؤ عرف المؤلف والكتاب معرفة وثيقة، وهو رجل مثقف ذو مشاركة حسنة في الفن الذي ندب نفسه لأدائه (وسنتحدث عنه بشيء من التفصيل عند الحديث عن المؤلف وكتابه وما
الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن بالقلعة، ثم بنى الطواشي شهاب الدين طغريل الخادم اتابك ولده الملك العزيز مدرسة تحت القلعة وعمر فيها تربة ونقله إليها، رحمه الله تعالى. والعجب أنه دخل حلب مالكا لها في الشهر بعينه واليوم من سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
ورثاه شاعره الشرف راجح بن إسماعيل بن أبي القاسم الأسدي الحلي (1) ، وكنيته أبو الوفاء، بهذه القصيدة، ومدح ولديه السلطان الملك العزيز محمدا وأخاه الملك الصالح صاحب عين تاب، وما أقصر فيها، وهي:
سل الخطب إن أصغى إلى من يخاطبه ... بمن علقت أنيابه ومخالبه
نشدتك عاتبع على نائباته ... وإن كان نائي السمع عمن يعاتبه
لي الله كم أرمي بطرفي ضلالة ... إلى أفق مجد قد تهاوت كواكبه
فما لي أرى الشهباء قد حال صبحها ... علي دجى لا تستنير غياهبه
أحقا حمى الغازي الغياث بن يوسف ... أبيح وعادت خائبات مواكبه
نعم كورت شمس المدائح وانطوت ... سماء العلا والنجح ضاقت مذاهبه
فمن مخبري عن ذلك الطود هل وهت ... قواعده أم لان للخطب جانبه
أجل ضعضعت بعد الثبات وزعزعت ... بريح المنايا العاصفات مناكبه
وغيض ذاك البحر من بعد ما طمت ... وطمت لغيبان (2) البلاد غواربه
فشلت يمين الخطب أي مهند ... برغم العلا سلت وفلت مضاربه
لئن حبس الغيث الغياثي قطره ... فقد سحبت في كل قطر سحائبه
فأنى يلذ العيش بعد ابن يوسف ... أبو أمل أكدت عليه مطالبه
فلا أدركت نيل المنى طالباته ... ولا بركت في أرض يمن (3) ركائبه
__________
(1) انظر ترجمة راجح الحلي في الفوات 1: 318 والشذرات 5: 123 والنجوم الزاهرة 6: 275.
(2) الغيبان: بتخفيف الباء هنا وقد تشدد، ما لم تصبه الشمس من النبات. وفي ر: الغيبات، وقد خطأه صاحب التاج.
(3) في هامش المسودة: خ: أمن؛ وكذلك وردت في لي ن ل.

الصفحة 7