كتاب وفيات الأعيان (اسم الجزء: 4)

يتصل بهما في موضع آخر) .وقد أضاف موسى إلى الكتاب فوائد جليلة يتصل كثير منها بأبيه، ويلقي على جوانب من شخصيته وعلاقاته أضواء كاشفة، وكان يضع بين هذه الفوائد المضافة وبين المتن جملة فاصلة يبدأها بقوله: " قال كاتبه موسى بن أحمد لطف الله به " وقد أدرجنا جميع هذه الفوائد في هوامش الكتاب لإيماننا بأنها مفيدة ومنها ما يصور جانباً من ثقافة صانع المختار.
وقد أعطانا المختار أحياناً فكرة عن مدى ما أدرجه المؤلف في الترجمة الواحدة، بحيث تأكد لنا أن بعض ما استقلت به مفردات النسخ إنما كان من عمل المؤلف نفسه، وأثبت لدينا أن مجموعة كبيرة من النسخ التي اعتمدناها لا تمثل الشكل النهائي للكتاب، كما أراده مؤلفه، وأن الزيادات التي انفردت بها النسخة (ر) علة وجه الخصوص، هي من أصل المؤلف أيضاً (في هذا القسم من الكتاب) فأما زيادات (مج) فليس هناك ما يثبت، ولو مرة واحدة أنها أصيلة في الكتاب. وكذلك اتضح أن بعض التراجم التي لم ترد في كثير من النسخ (مثل ترجمة يعقوب بن الليث الصفار) إنما هي مما أثبته المؤلف نفسه، لأنها وردت في المختار. أما التراجم التي لم يرد لها ذكر في المختار فلا نقطع بأنها دخيلة لأن المختار يقوم في أساسه على الإيجاز والحذف؛ وقد أهمل صاحب المختار - على هذا الأساس - بعض التراجم كما أنه كان شديد الإيجاز في ما يختاره من بعضها الآخر، وليس له في اختياره منهج محدد، فهو حيناً يهتم بإيراد الشعر، وحيناً يهتم بإيراد الخبر، ومرة ثالثة يكاد لا يحذف شيئاً من الترجمة. غير أنه كان يقدم ويؤخر حسبما تمليه عليه طريقته، ويجمع الأشياء المتشابهة في نطاق، ويحذف في الغالب اسم المصدر المنقول عنه. ونراه في أحيان أخرى يجمل الخبر على طريقته الخاصة، ولكنه في ذلك كله لم يحاول أن يغير في العبارة الأصلية للمؤلف أو أن يقحم في السياق ما ليس من الأصل دون أن ينبه إليه؛ وقد اعتذر عن الطريقة التي جرى عليها في اختياره بقوله في الخاتمة: " وقد قدمت في أول هذا المختار أنني اخترت منه ونقلته تذكرة لنفسي، فليعذر من يقف على ذلك، فأن الآراء والأهواء تختلف، والله أعلم ".
ومع ذلك كله فإن المختار سيبقى ذا قيمة كبيرة حتى بعد أن تكتشف
ولا انتجعت إلا معبس حقبة ... من الجدب لا تثني عليه حقائبه
مضى من أقام الناس في ظل عدله ... وآمن من خطب تدب (1) عقاربه
فكم من حمى صعب أباحت سيوفه ... ومن مستباح قد حمته كتائبه
أرى اليوم دست الملك أصبح خاليا ... أما فيكم من مخبر أين صاحبه
فمن سائلي عن سائل الدمع لم جرى ... لعل فؤادي بالوجيب يجاوبه
فكم من ندوب في قلوب نضيجة (2) ... بنار كروب أججتها نوادبه
أيسلم لم تحطم صدور رماحه ... بذب ولم تثلم بضرب قواضبه
ولا اصطدمت عند الحتوف (3) كماته ... ولا ازدحمت بين الصفوف جنائبه
ولا سيم أخذ الثار يوم كريهة ... تشق مثار النقع فيها سلاهبه
فيا ملبسي ثوبا من الحزن مسبلا ... أيحسن بي أن التسلي سالبه
خدمتك، روض المجد تضفو ظلاله (4) ... علي، وحوض الجود تصفو مشاربه
وقد كنت تدنيني وترفع مجلسي ... لمفروض مدح ما تعداك واجبه
فما بال إذني قد تمادى ولم يكن ... إذا جئت يثنيني عن الباب حاجبه
أرى الشمس أخفت يوم فقدك نورها ... فلا كان يوم كاسف الوجه شاحبه
فكيف نبا سيف اعتزامك أو كبا ... جواد من الحزم الذي أنت راكبه
فمن لليتامى يا غياث يغيثهم ... إذا الغيث (5) لم ينقع صدى العام ساكبه
ومن لملوك كنت ظلا عليهم ... ظليلا إذا ما الدهر نابت نوائبه
أيا تاركي ألقى العدو مسالما ... متى ساءني بالجد قمت ألاعبه
سقت قبرك الغر الغوادي وجاده ... من الغيث سارية الملث وساربه
__________
(1) س: وآمن خطباً أن تدب.
(2) ر: صحيحة.
(3) ر: الحروب.
(4) لي: يصفو جلاله.
(5) ر: الغيم.

الصفحة 8