كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

ظِهَارِهِ فَلَا عَوْدَ وَلَوْ رَاجَعَ مَنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ ظِهَارِهِ أَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ دُخُولٍ مُتَّصِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ، بَعْدَ رِدَّتِهِ فِي الْعِدَّةِ صَارَ عَائِدًا بِالرَّجْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْسِكْهَا عَقِبَ الرَّجْعَةِ، بَلْ طَلَّقَهَا لَا الْإِسْلَامُ بَلْ هُوَ عَائِدٌ بَعْدَهُ إنْ مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَمَنٌ يَسَعُ الْفُرْقَةَ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الِاسْتِبَاحَةُ وَمَقْصُودَ الْإِسْلَامِ الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إمْسَاكٌ إنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدُ

(وَ) إذَا صَارَ عَائِدًا (لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ أَوْ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ أَوْ بِالْعَوْدِ فَقَطْ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ؟ أَوْجُهٌ ذَكَرَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَالْأَوَّلُ: هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِهِمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جَمِيعًا. وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ لِمَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِاسْتِقْرَارِهَا بِالْإِمْسَاكِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَمُظَاهَرٌ مِنْهُنَّ فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ زَمَنًا يَسَعُ طَلَاقَهُنَّ فَعَائِدٌ مِنْهُنَّ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ صَارَ عَائِدًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَلَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنْ فَارَقَهَا عَقِبَ ظِهَارِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ.

(وَالْكَفَّارَةُ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ لِسَتْرِهَا الذَّنْبَ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ) هَذِهِ هِيَ مَفْهُومُ الْمَتْنِ فِي الْحَقِيقَةِ وَصَرَّحَ بِهَا زِيَادَةَ إيضَاحٍ أَوَلِيُبَيِّنَ كَوْنَ الطَّلَاقِ شَامِلًا لِلْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ هَذَا وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ فَالْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ الطَّلَاقِ هُنَا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا أَتْبَعَهُ بِالطَّلَاقِ لَا يَصِيرُ عَائِدًا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَلَوْ اتَّصَلَ بِهِ أَيْ بِظِهَارِهِ جُنُونُهُ أَوْ فُرْقَةٌ فَلَا عَوْدَ اهـ. وَجَعَلَ الشَّارِحُ الْفُرْقَةَ شَامِلَةٌ لِمَا ذَكَرَ هُنَا، لَكِنْ لَمْ يُعَبِّرْ كَالشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: وَمَا تَقَدَّمَ إلَخْ فَلَعَلَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ سَرَى لَهُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: أَوْ فُرْقَةٍ بِأَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ الْمَتْنِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ كَدُخُولِهَا الدَّارَ أَوْ دُخُولِهِ ثَمَّ ظَاهِرٌ فَوُجِدَ الدُّخُولُ عَقِبَ الظِّهَارِ فَهَذَا يَكُونُ مُغَايِرًا لِمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (أَوْ جُنَّ الزَّوْجُ) كَانَ الْأَوْلَى، أَوْ جُنُونِ الزَّوْجِ عَطْفًا عَلَى فُرْقَةٍ أَوْ يَقُولُ: فَلَوْ جُنَّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مُتَّصِلًا) أَيْ ارْتَدَّ مُتَّصِلًا بِالظِّهَارِ وَكَانَتْ الرِّدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْعِدَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَسْلَمَ.
قَوْلُهُ: (صَارَ عَائِدًا بِالرَّجْعَةِ) وَلَا يُقَالُ قَدْ انْحَلَّ الظِّهَارُ بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّا نَقُولُ: مَحَلُّ انْحِلَالِهِ بِهِ إذَا دَامَ عَلَيْهِ فَإِنْ خَالَفَهُ بِالرَّجْعَةِ صَارَ عَائِدًا. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ الرَّجْعَةِ وَالْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (الِاسْتِبَاحَةُ) أَيْ اسْتِبَاحَةُ الِاسْتِمْتَاعِ. قَوْلُهُ: (الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ) أَيْ وَالْحِلُّ تَابِعٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدُ) أَيْ فَالْحِلُّ تَابِعٌ لَهُ فَيَحْصُلُ عَقِبَهُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ) فَإِنْ قُلْت هَلْ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ؟ قُلْت: نَعَمْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْعَوْدِ إنْ قُلْنَا الظِّهَارُ شَرْطٌ وَالْعَوْدُ سَبَبٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ: بِأَنَّهُمَا سَبَبَانِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الظِّهَارِ، وَيَجُوزُ عَلَى الْعَوْدِ شَوْبَرِيٌّ، وَذَكَرُوا فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْحِنْثِ بِالصَّوْمِ لَا يَصِحُّ فَيُقَالُ مِثْلُهُ هُنَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِقْرَارِهَا بِالْإِمْسَاكِ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي الْمُؤَقَّتِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ) هَلْ يَتَعَيَّنُ فِي دَفْعِ الْإِمْسَاكِ طَلَاقُهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ يَحْصُلُ بِالشُّرُوعِ فِي طَلَاقِهِنَّ وَلَوْ مَعَ التَّرْتِيبِ وَلَا يَكُونُ بِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مُمْسِكًا لِغَيْرِهَا، حَرَّرَ شَوْبَرِيٌّ، الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ) عَدْلٌ عَنْ الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ إيضَاحًا وَإِشْعَارًا بِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الْكَفَّارَةِ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِيَدْخُلَ نَحْوُ الْيَمِينِ قل قَوْلُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ هَذَا مَعْنَاهَا لُغَةً وَأَمَّا مَعْنَاهَا شَرْعًا فَهِيَ مَالٌ أَوْ صَوْمٌ وَجَبَ بِسَبَبٍ كَحَلِفٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لِلْفِدْيَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَيَّدَ السَّبَبُ بِأَنْ يُقَالَ هِيَ مَالٌ أَوْ صَوْمٌ وَجَبَ بِسَبَبٍ مَنْ حَلِفٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ جِمَاعٍ نَهَارَ رَمَضَانَ عَمْدًا وَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ الْفِدْيَةُ وَعَرَّفَهَا عَبْدُ الْبَرِّ فَقَالَ هِيَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْحَالِفِ أَوْ الْقَاتِلِ أَوْ الْمُظَاهِرِ بَعْدَ حِنْثِهِ أَوْ عَوْدِهِ اهـ وَهَذَا التَّعْرِيفُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ وَسُمِّيَتْ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ كَفْرًا لِأَنَّ بِهَا يُكْفَرُ الْحَقُّ أَيْ يَسْتَتِرُ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ فِيهَا. اهـ. حف.
قَوْلُهُ: (لِسِتْرِهَا الذَّنْبَ) فِيهِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا فِيهِ ذَنْبٌ

الصفحة 16