كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

وَأَلْحَقَ بِهَا غَيْرَهَا قِيَاسًا عَلَيْهَا أَوْ حَمْلًا لِإِطْلَاقِ آيَةِ الظِّهَارِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي آيَةِ الْقَتْلِ، كَحَمْلِ الْمُطْلَقِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] الشَّرْطُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ) إضْرَارًا بَيِّنًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْمِيلُ حَالِهِ لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إذَا اسْتَقَلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْعِتْقِ فَلَوْ قَارَنَ الْعِتْقُ الْإِسْلَامَ لَمْ يَجُزْ وَإِطْلَاقُ الرَّقَبَةِ عَلَى الرَّقِيقِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ وَالرَّقَبَةُ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى اتِّفَاقًا وَالْخُنْثَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ إجْزَاءِ الْخُنْثَى لِأَنَّ الْخُنُوثَةَ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ الدَّارِ) صُورَتُهُ: أَنْ يَجِدَ لَقِيطًا فِي بَلَدٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ فَيَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ ثُمَّ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ، أَنَّهُ رَقِيقٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَقِّهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِأَبَوَيْهِ بِإِسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ وَإِذَا اشْتَرَاهُ أَحَدٌ يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ فَلَا يُجْزِئُ إذْ ذَاكَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. وَاعْلَمْ: أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الرَّقَبَةِ سِتَّةٌ الْإِيمَانُ، وَعَدَمُ الْعَيْبِ، وَعَدَمُ الْعِوَضِ، وَكَمَالُ الرِّقِّ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ، وَالْحُرِّيَّةُ فِي الْمُعْتَقِ.
وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ نَظْمًا مِنْ الرَّجَزِ فَقَالَ:
لِصِحَّةِ الْإِعْتَاقِ عَنْ كَفَّارَةٍ ... سِتُّ شُرُوطٍ بِأَوْجَزِ الْعِبَارَةِ
حُرِّيَّةُ الْمُعْتَقِ إيمَانُ الْعَتِيقِ ... وَفَقْدُهُ لِلْعَيْبِ كَيْ كَسْبًا يُطِيقُ
كَمَالُ رِقٍّ عَدَمُ اسْتِحْقَاقٍ ... لِلْعِتْقِ فَافْهَمْهُ بِلَا شِقَاقٍ
وَعَدَمُ الْعِوَضِ تَمَامُ السِّتَّةِ ... لَا شَرْطٌ مِنْهَا نَاقِصٌ أَلْبَتَّةَ
قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَيْهَا) : أَيْ بِجَامِعِ حُرْمَةِ سَبَبَيْهِمَا. وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْإِيمَانِ وَارِدٌ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ فَكَيْفَ يُقَالُ بِجَامِعٍ إلَخْ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ مُرَادَنَا، حُرْمَةُ الْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِهِ قَتْلَ خَطَأٍ. أَوْ لَا وَكَذَا قَرَّرَهُ ز ي عَنْ ابْنِ قَاسِمٍ. ثُمَّ رَاجَعْت شَرْحَ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْوَرَقَاتِ، فَرَأَيْته أَشَارَ إلَى ذَلِكَ وَجَوَابُهُ بِقَوْلِهِ: وَالْمُقَيَّدُ بِالصِّفَةِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ كَالرَّقَبَةِ قُيِّدَتْ بِالْإِيمَانِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي آيَةِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَأُطْلِقَتْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي آيَةِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِيهَا: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] وَالسَّبَبُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ الْقَتْلُ وَفِي الثَّانِي الظِّهَارُ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ وُجُوبُ التَّحْرِيرِ، أَيْ الْإِعْتَاقِ وَالْجَامِعُ حُرْمَةُ سَبَبَيْهِمَا أَيْ فِي ذَاتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ آيَةَ الْقَتْلِ وَارِدَةٌ فِي الْخَطَأِ وَلَا حُرْمَةَ فِيهِ عَلَى الْمُخْطِئِ شَوْبَرِيٌّ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِجَامِعِ عَدَمِ الْإِذْنِ فِي السَّبَبِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ حَمْلًا إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ وَإِلَّا فَالْحَمْلُ صَادِقٌ بِالْقِيَاسِ وَالْفَرْقُ اعْتِبَارُ الْجَامِعِ فِيهِ دُونَ الْحَمْلِ قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ آيَةِ الظِّهَارِ) الْأَنْسَبُ أَوْ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ فِي آيَةٍ إلَخْ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، اعْتِبَارُ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي الْمُطْلَقِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا فَمَعْنَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْحُكْمُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُطْلَقِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدُ. قَوْلُهُ: (لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ) : مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا أَيْ غَالِبًا وَإِلَّا فَمِنْ جُمْلَةِ وَظَائِفِ الْأَحْرَارِ الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ غَيْرَ بَالِغٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ مَعَ إجْزَاءِ كُلٍّ عَنْ الْكَفَّارَةِ. اهـ. خِضْرٌ.
قَوْلُهُ: (إذَا اسْتَقَلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ) : يَرُدُّ عَلَيْهِ الصَّغِيرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: لِيَتَفَرَّغَ إلَخْ: أَيْ حَالًّا أَوْ مَآلًا وَانْظُرْ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ الْمُلْتَصِقَيْنِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ لِأَنَّ الْمُلْتَصِقَ بِهِ قَدْ لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى ذَلِكَ. فِيهِ نَظَرٌ

الصفحة 18