كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ وَلَا يَجِبُ شِرَاءٌ بِغَبْنٍ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ: اعْتِبَارُ الْيَسَارِ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِهِ الْإِعْتَاقُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ، لَا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ وَلَا بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً يُعْتِقُهَا بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا حِسًّا أَوْ شَرْعًا {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
فَلَوْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ بِالِاسْتِقْرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ تَرَقَّى إلَى الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا، وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرَانِ بِالْهِلَالِ وَلَوْ نَقْصًا وَيَكُونُ صَوْمُهُمَا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ. وَيَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ اكْتِفَاءً بِالتَّتَابُعِ الْفِعْلِيِّ، فَإِنْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُفَارِقُ مَا هُنَا مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ مِنْ لُزُومِ بَيْعِ الْمَأْلُوفِ بِأَنَّ الْحَجَّ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِلْإِعْتَاقِ بَدَلٌ. وَمَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ مِنْ عَدَمِ تَبْقِيَةِ خَادِمٍ وَمَسْكَنٍ لَهُ بِأَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا، كَمَا مَرَّ وَبِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِحَذْفِ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَمَنْ لَهُ أُجْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِ الزِّيَادَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَلَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ جَمْعُ الزِّيَادَةِ فِي نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ قَبْلَ الصَّوْمِ وَجَبَ الْعِتْقُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ اهـ قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ شِرَاءٌ بِغَبْنٍ) كَأَنْ وَجَدَ رَقِيقًا لَا يَبِيعُهُ مَالِكُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ بَلْ عَلَيْهِ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَجِدَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
وَقَوْلُهُ: إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَيْ غَيْرِ اللَّائِقِ بِهِ وَإِلَّا فَبَدِيعَةُ الْجَمَالِ ثَمَنُهَا كَثِيرٌ لَكِنَّهُ لَائِقٌ بِهَا فَيَجِبُ شِرَاؤُهَا وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةِ الرَّقِيقِ أَوْ ثَمَنِهِ وَلَا قَبُولُ إعْتَاقِهِ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْأَدَاءِ) أَيْ وَقْتَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ أَيْ الْإِخْرَاجِ أَيْ إخْرَاجِهَا وَلَوْ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ وَقْتُ الْقَتْلِ وَوَقْتُ الْجِمَاعِ وَوَقْتُ عَوْدِهِ فِي الظِّهَارِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَجْزُهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قَبْلُ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، وَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا يَنْتَقِلُ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَا بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ أَيْضًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حف. قَوْلُهُ: (وَلَا بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ) أَيْ وَلَا بِالْأَغْلَظِ مِنْهُمَا فَالْأَقْوَالُ أَرْبَعَةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا) أَيْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي التَّكْفِيرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ شَرْعًا) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهَا أَوْ وَجَدَهُ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْمُؤْنَةِ أَوْ وَجَدَهَا وَاحْتَاجَهَا لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَجْزِ الشَّرْعِيِّ وُجُودُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا كَمَا فِي التَّيَمُّمِ بَلْ يُصَبَّرُ إلَى أَنْ يَجِدَهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا وَلَا يَنْتَقِلُ لِلصَّوْمِ.
قَوْلُهُ: (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ) أَيْ بِالْهِلَالِ وَإِنْ نَقَصَا لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ فَلَوْ صَامَهُمَا ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ صَوْمِهِمَا أَنَّ لَهُ مَالًا وَرِثَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِصَوْمِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ. حَجّ وم ر فَيَقَعُ صَوْمُهُ نَفْلًا مُطْلَقًا.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخُ خَضِرٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ عَنْ حِكْمَةِ وُجُوبِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَوِقَاعِ نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَعَنْ حِكْمَةِ عَدَمِ وُجُوبِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا عَجَزَ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْوِقَاعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا غَلَّظَ عَلَيْهِ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرَ وُقُوعًا مِنْ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ خَفَّفَ فِيهِ مَا لَمْ يُخَفِّفْ فِي غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ) الْمُنَاسِبَ لَكِنْ لَوْ تَكَلَّفَ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) كَالِاتِّهَابِ.
قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ) وَكَذَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِي الْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ كَوْنِهَا ظِهَارًا مَثَلًا قَالَ مَرَّ فِي شَرْحِهِ فَلَوْ أَعْتَقَ مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ لِقَتْلٍ وَظِهَارٍ رَقَبَتَيْنِ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَجْزَأَ عَنْهُمَا أَوْ رَقَبَةً كَذَلِكَ أَجْزَأَتْهُ عَنْ إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً وَلَهُ صَرْفُهُ إلَى إحْدَاهُمَا وَتَتَعَيَّنُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْأُخْرَى كَمَا لَوْ أَدَّى مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ بَعْضَهَا مُبْهَمًا فَإِنَّ لَهُ تَعْيِينُ بَعْضِهَا لِلْأَدَاءِ نَعَمْ لَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ غَلَطًا لَمْ يُجْزِهِ وَإِنَّمَا صَحَّ فِي نَظِيرِهِ فِي الْحَدَثِ لِأَنَّهُ نَوَى رَفْعَ الْمَانِعِ الشَّامِلِ، لِمَا عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا اهـ. بِحُرُوفِهِ وَلَوْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَاهُ. فَلَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ عَنْ كَفَّارَةٍ وَالثَّانِي عَنْ الْأُخْرَى وَهَكَذَا لَمْ يَكْفِهِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ التَّتَابُعِ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (فِي صَوْمِ الْفَرْضِ) أَيْ الْأَصْلِيِّ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ) وَأَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ وَاقِعَةً بَعْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ لَا قَبْلَهَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرَانِ بِالْهِلَالِ أَيْ إنْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ قَوْلُهُ:

الصفحة 22