كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

أَثْنَاءِ شَهْرٍ، حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَفُوتُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ. أَمَّا إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ فَإِنْ كَانَ كَجُنُونٍ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْمَ، أَوْ كَمَرَضٍ مُسَوِّغٍ لِلْفِطْرِ ضَرَّ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيْ الصَّوْمَ الْمُتَتَابِعَ لِهَرَمٍ أَوْ لِمَرَضٍ يَدُومُ شَهْرَيْنِ ظَنًّا الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَلَوْ كَانَتْ الْمَشَقَّةُ لِشَبَقٍ وَهُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ أَيْ شَهْوَةِ الْوَطْءِ أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ مَرَضٍ (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِفَوَاتِ يَوْمٍ إلَخْ) وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ مَاتَ الْمُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ هَلْ يَبْنِي وَارِثُهُ أَوْ يَسْتَأْنِفُ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الثَّانِي لِانْتِفَاءِ التَّتَابُعِ وَعَلَيْهِ فَيُخْرِجُ مِنْ تَرِكَتِهِ جَمِيعَ الْكَفَّارَةِ لِبُطْلَانِ مَا مَضَى مِنْ صَوْمِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ الصَّوْمِ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِوَارِثِهِ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى اهـ. عش عَلَى مَرَّ مَحَلُّ هَذَا إنْ لَمْ يَصُمْ وَارِثُهُ عَنْهُ قَوْلُهُ: (بِلَا عُذْرٍ) وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّ الشَّهْرَيْنِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِمَا وَلَوْ لَيْلًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ فِي الظِّهَارِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْكَفَّارَةِ لَكِنَّهُ فِيهِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اهـ.
قَوْلُهُ: (كَجُنُونٍ) أَيْ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِغْمَاءٍ مُسْتَغْرِقٍ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَإِنْ قِيلَ الْكَلَامُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالرَّجُلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ حَيْضٌ. أَجَابَ عَنْهُ مَرَّ بِقَوْلِهِ: لَا بِفَوَاتِهِ بِنَحْوِ حَيْضٍ أَيْ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إذْ كَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّ غَيْرَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ، وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِأَنْ تَصُومَ امْرَأَةٌ عَنْ مُظَاهِرٍ مَيِّتٍ قَرِيبٍ لَهَا أَوْ بِإِذْنِ قَرِيبِهِ أَوْ بِوَصِيَّتِهِ اهـ بِالْحَرْفِ. وَاعْتَرَضَ عش هَذَا التَّصْوِيرَ بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّتَابُعُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ النَّائِبِ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ أَيْ وَهُوَ التَّغْلِيظُ اهـ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: بِنَحْوِ حَيْضٍ أَيْ فِي كَفَّارَةِ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ مِنْهَا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَجِمَاعِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فِيهِمَا وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَالْوَاجِبُ فِيهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوَلَاءُ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ: بِنَحْوِ حَيْضٍ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَخْلُ مُدَّةُ الصَّوْمِ عَنْ الْحَيْضِ فَإِنْ كَانَتْ تَخْلُو كَأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَطْهُرَ شَهْرَيْنِ وَتَحِيضَ فِي الثَّالِثِ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَحَرَّى شَهْرَيْ الطُّهْرِ وَتَصُومَ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّ ذَلِكَ وَطَرَأَ الْحَيْضُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْوَلَاءَ اهـ. قَالَ عش عَلَى مَرَّ وَلَوْ أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ لِلِاسْتِسْقَاءِ فَصَادَفَ ذَلِكَ صَوْمًا عَنْ كَفَّارَةٍ مُتَتَابِعَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُومَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ شَغْلِ الْأَيَّامِ بِالصَّوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الصَّوْمُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ لِمَرَضٍ) أَيْ أَوْ سَفَرٍ أَيْ وَإِنْ جَازَ بِهِمَا الْفِطْرُ وَحَيْثُ بَطَلَ التَّتَابُعُ فَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ انْقَلَبَ مَا مَضَى نَفْلًا، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (يَدُومُ شَهْرَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْمَرَضِ أَبَدًا فِي الِانْتِقَالِ إلَى الْإِطْعَامِ فَإِنْ لَمْ يَدُمْ شَهْرَيْنِ بَلْ بَعْضَهُمَا انْتَظَرَ زَوَالَهُ وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْإِطْعَامِ بَلْ يَصُومُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَرَضِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَالَ: سل لَك أَنْ تَقُولَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ انْتِظَارُ الْمَالِ الْغَائِبِ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْعِتْقِ وَلَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ فِي أَسْبَابِ إحْضَارِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَرَضُ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَفَادَ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ ظَنًّا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِ ظَنًّا لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ وَظَنًّا نَكِرَةٌ وَقَدْ يُقَالُ الْمُسْتَفَادُ اسْمُ مَفْعُولٍ وَأَلْ الدَّاخِلَةُ عَلَيْهِ مَوْصُولَةٌ لَا مَعْرِفَةٌ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ نَكِرَةٌ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَإِنْ يُشَابِهُ الْمُضَافَ يَفْعَلُ ... وَصْفًا فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لَا يُعْزَلُ
وَمِثْلُ الْمُضَافِ الْمَقْرُونُ بِأَلْ قَوْلُهُ: (مِنْ الْعَادَةِ) أَيْ مِنْ عَادَةِ الشَّخْصِ فَإِنْ أَخْلَفَ أَوْ زَالَ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَمْ يُجْزِ الْإِطْعَامُ. اهـ. حَلَّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ) : أَيْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ وَقَالَ مَرَّ: الْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِ عَدْلٍ مِنْهُمْ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) : أَيْ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ، بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ بِالشَّبَقِ. اهـ. حَلَّ.
قَوْلُهُ: (الْغُلْمَةُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ.
قَوْلُهُ: (شَهْوَةُ الْوَطْءِ) أَيْ شِدَّةُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَيْ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ بِأَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ، فَلَا يُجْزِي دَفْعُهَا لِجِنِّيٍّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ

الصفحة 23