كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

هُوَ لُغَةً الْمُبَاعَدَةُ وَمِنْهُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَيْ أَبْعَدَهُ وَطَرَدَهُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُعْدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ أَوْ لِبُعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَشَرْعًا كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لِعَانًا لِقَوْلِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَإِطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَجَازِ التَّغْلِيبِ، وَاخْتِيرَ لَفْظُهُ دُونَ لَفْظِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي اللِّعَانِ لِكَوْنِ اللَّعْنَةِ مُتَقَدِّمَةً فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِأَنَّ لِعَانَهُ قَدْ يَنْفَكُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِفَاعِلِ الْفِعَالِ وَالْمُفَاعَلَهْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِلَعْنٍ كَصَعْبٍ وَصِعَابٍ.
قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَ بِذَلِكَ) أَيْ سُمِّيَ مَعْنَى اللِّعَانِ بِلَفْظِ اللِّعَانِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْآتِي وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهُ، كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، إذْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلِّعَانِ الْمُتَرْجَمِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (لِبُعْدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ) أَيْ لِبُعْدِ الْكَاذِبِ مِنْهُمَا وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بُعْدَهُمَا مَعًا فِيمَا إذَا كَانَ يُمْكِنُ الصَّادِقُ مِنْهُمَا السَّتْرَ وَلَمْ يُضْطَرَّ لِلِّعَانِ، فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ السَّتْرُ فَإِنْ لَمْ يَسْتُرْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الرَّحْمَةِ الْكَامِلَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَاقْتَصَرَ شَيْخُنَا م د فِي الْحَاشِيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) أَيْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا مَرَّ زي. قَوْلُهُ: (كَلِمَاتٌ) أَيْ خَمْسَةٌ، وَجُعِلَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي مَعَ أَنَّهَا أَيْمَانٌ عَلَى الْأَصَحِّ رُخْصَةً لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا وَصِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ شَرْحُ مَرَّ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمَصْدَرِ قَوْلُ كَلِمَاتٍ وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا كَلِمَاتٍ مَعَ أَنَّهَا جُمَلٌ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ قَوْلُهُ: (حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ) : بِمَعْنَى أَنَّهَا سَبَبٌ دَافِعٌ لِلْحَدِّ عَنْ الْمُضْطَرِّ أَيْ الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ كَمَا يَأْتِي وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ وَذَكَرَ الْمُضْطَرَّ لِلْغَالِبِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَنْفِيه فَلَا اضْطِرَارَ وَالْأَوْلَى لَهُ السَّتْرُ وَالطَّلَاقُ وَعِبَارَةُ خ ض قَوْلُهُ: لِلْمُضْطَرِّ لَيْسَ بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِأَنَّ اللِّعَانَ كَالْبَيِّنَةِ حُجَّةٌ وَصَدَّنَا عَنْ الْأَخْذِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] مِنْ اشْتِرَاطِ تَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ الْإِجْمَاعُ. قَوْلُهُ: (إلَى قَذْفِ مَنْ) : أَيْ زَوْجَةٍ وَذَكَرَ ضَمِيرَ لَطَّخَ نَظَرًا لِلَفْظِ مَنْ وَالْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ الزَّوْجَةُ أَيْ إلَى قَذْفِ زَوْجَةٍ لَطَّخَتْ نَفْسَهَا.
قَوْلُهُ: (لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ) : مَبْنِيَّانِ لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُمَا عَائِدٌ عَلَى مَنْ الْوَاقِعُ عَلَى الزَّوْجَةِ، أَيْ إلَى قَذْفِ امْرَأَةٍ لَطَّخَتْ فِرَاشَهُ، أَيْ: الْمُضْطَرِّ وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ يُسَمَّى فِرَاشَ الْآخَرِ كَمَا يُسَمَّى لِبَاسَهُ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ الزَّوْجَةُ فَهُوَ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ الزَّانِي أَيْ إلَى قَذْفِ رَجُلٍ لَطَّخَ زَوْجَةَ الْمُضْطَرِّ. وَقَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ عَطْفَ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ. فَإِنْ قُلْت: هُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِلْقَذْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ. أُجِيبَ: بِأَنَّ كَلَامَهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافَيْنِ أَيْ إلَى دَفْعِ مُوجَبِ الْقَذْفِ إلَخْ وَالْمُوجَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الْحَدُّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّلْطِيخِ التَّلْوِيثُ وَنِسْبَتُهَا لِلزِّنَا، وَالْقَذْفُ جَائِزٌ حِينَئِذٍ، وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ وَالتَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ اهـ. الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ أَنْ يَأْتِيَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَقُولُ: هَذَا الْوَلَدُ أَوْ الْحَمْلُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ يُلَاعِنُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَيْ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُؤَكَّدًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ظَاهِرًا كَأَنْ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ وَلَدَتْهُ لَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ وَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ وَالْقَذْفُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ وَاجِبٌ حِينَئِذٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَسَمَّيْت هَذِهِ الْكَلِمَاتُ إلَخْ) : قَدْ وَجَّهَ التَّسْمِيَةَ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ: وَسُمِّيَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ وَجَّهَ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي وَالشَّارِحُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِكِفَايَتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَكَانَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي ابْتِدَاءً كَالْقَسَامَةِ مَعَ أَنَّهَا أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ رُخْصَةً، لِتَعَسُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا وَصِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ نَفْيِ الْوَلَدِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ الرَّجُلِ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ ثُمَّ تَوَسَّعَ فِيهِ، فَأُرِيدَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَاقِعَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَغْلِيبًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ:

الصفحة 28