كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

عَنْ لِعَانِهَا وَلَا يَنْعَكِسُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَاتِ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا ذَكَرْتُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ.
وَهِيَ يَمِينٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا لِعَانًا بَعْدَ كَمَالِهِمَا وَلَا عُقُوبَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَمْ يَقَعْ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لِعَانٌ بَعْدَ اللِّعَانِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (وَإِذَا رَمَى) أَيْ قَذَفَ (الرَّجُلُ) الْمُكَلَّفُ (زَوْجَتَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ فِي الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فِي أَوَائِلِ سُورَةِ النُّورِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] أَيْ يَقْذِفُونَهُنَّ بِالزِّنَا قَوْلُهُ: (الْآيَاتِ) أَيْ إلَى قَوْلِهِ: {مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف: 70] وَفِي نُسْخَةٍ الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ جِنْسُهَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ آيَاتٌ قَوْلُهُ: (وَسَبَبُ نُزُولِهَا ذَكَرْته) أَيْ مُفَصَّلًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ سَيَأْتِي مُلَخَّصًا بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ إلَخْ. قَالَ: شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَسَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ:» إذَا رَأَى أَحَدُنَا رَجُلًا عَلَى امْرَأَتِهِ يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَرِّرُ ذَلِكَ فَقَالَ: «وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنَزِّلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْجَلْدِ» فَنَزَلَتْ الْآيَاتُ. وَرُوِيَ «أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدَ أَحَدُنَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا مَاذَا يَصْنَعُ إنْ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ فَكَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنًا فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» فَتَلَاعَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ. وَلِهَذَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا هُوَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ وَاقَعْتُكِ تَبَيَّنَ مِمَّا أُنْزِلَ فِي هِلَالٍ إذْ الْحُكْمُ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ اهـ وَعِبَارَةُ عش عَلَى مَرَّ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ هَلْ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ أَمْ بِسَبَبِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُوَيْمِرٍ «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ قُرْآنًا» وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: سَبَبُ نُزُولِهَا قِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَعَلَّهُمَا سَأَلَا فِي وَقْعَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمَا وَلَوْ سَبَقَ هِلَالٌ بِاللِّعَانِ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَا وَذَاكَ، وَأَنَّ هِلَالًا أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ قَالُوا: وَكَانَتْ قَضِيَّتُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ اهـ. وَالْعَجْلَانِيُّ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ نِسْبَةً إلَى بَنِي الْعَجْلَانِ، بَطْنٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، كَمَا فِي لُبِّ السُّيُوطِيّ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ يَمِينٌ) أَيْ أَيْمَانٌ أَرْبَعَةٌ حَتَّى إنَّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا لَزِمَهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ لِأَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ وَلَا يُزَادُ خَامِسَةً لِقَوْلِهِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ. لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ لَا أَنَّهُ يَمِينٌ خَامِسَةٌ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الزِّيَادِيُّ، وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ. فَقَالَ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا فِي الْكَفَّارَةِ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَكْرِيرِهَا مَحْضُ التَّأْكِيدِ لَا غَيْرُ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ) : مُتَعَلِّقٌ بِيَمِينٍ وَقِيلَ: شَهَادَاتٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَذَبَ فِيهَا فَإِنْ قُلْنَا: أَيْمَانٌ يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ وَإِنْ قُلْنَا: شَهَادَاتٌ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْكَذِبِ شَيْءٌ وَلَيْسَ الْأَيْمَانُ مَا يَتَعَدَّدُ إلَّا فِي اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إلَّا فِيهِمَا وَذَلِكَ رُخْصَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ صَبِيٍّ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَهِيَ يَمِينٌ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مِنْهُمَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ زَوْجَتَيْهِمَا وَقَوْلُهُ: لِعَانًا مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: يَقْتَضِي الْمَنْفِيَّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا عُقُوبَةً) : أَيْ لَهُمَا مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا عُقُوبَةً أَيْ حَدًّا وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَيَجِبُ بِقَذْفِهِمَا فَإِنْ عُزِّرَا قَبْلَ الْكَمَالِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا عُزِّرَا بَعْدَ الْكَمَالِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَمَى) أَيْ سَبَّهَا وَخَاضَ فِي عِرْضِهَا بِمَا ذَكَرَهُ، فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِرَمْيِ السَّهْمِ الْحِسِّيِّ بِجَامِعِ الْإِيلَامِ بِكُلٍّ، وَاسْتُعِيرَ الرَّمْيُ الْحِسِّيُّ لِلسَّبِّ وَالْخَوْضِ فِي عِرْضِهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، ثُمَّ اشْتَقَّ مِنْ الرَّمْيِ الْحِسِّيِّ رَمَى بِمَعْنَى سَبَّ وَخَاضَ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً. قَوْلُهُ: (أَيْ قَذَفَ) مِنْ الْقَذْفِ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا

الصفحة 29