كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

الْمُحْصَنَةَ (بِالزِّنَا) صَرِيحًا كَزَنَيْتِ وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجَبَلِ: أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ زَنَى فَرْجُك أَوْ يَا قَحْبَةُ. كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، أَوْ كِنَايَةً كَزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ بِالْهَمْزِ، لِأَنَّ الزَّنْءَ هُوَ الصُّعُودُ بِخِلَافِ زَنَأْت فِي الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ. فَصَرِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصُّعُودِ فِي الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَأَنَّ غَيْرَهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَيْتِ دَرَجٌ يَصْعَدُ إلَيْهِ فِيهَا فَصَرِيحٌ قَطْعًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ أَيْ فِي مَقَامِ إظْهَارِهِ وَمَعْرِضٌ كَمَسْجِدٍ، فَخَرَجَ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الزِّنَا كَالسَّرِقَةِ وَبِمَقَامِ التَّعْيِيرِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعٌ بِالزِّنَا فَلَيْسَ قَذْفًا بَلْ شَهَادَةً.
وَكَذَا قَذْفُ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ، فَلَيْسَ قَذْفًا شَرْعًا وَإِنْ عُزِّرَ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ، وَخَرَجَ جَرْحُ الشَّاهِدِ لِتُرَدَّ شَهَادَتُهُ.
قَوْلُهُ: (زَوْجَتَهُ الْمُحْصَنَةَ) وَهِيَ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ الْعَفِيفَةُ عَنْ وَطْءٍ، تُحَدَّ بِهِ حَالَ تَكْلِيفِهَا، وَاخْتِيَارِهَا وَعِلْمِهَا بِالتَّحْرِيمِ، وَالْإِحْصَانُ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا جَاءَ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فَقَطْ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] وَجَاءَ بِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَقِبَ ذَلِكَ {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] إلَخْ وَجَاءَ بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] إلَخْ وَجَاءَ بِمَعْنَى إصَابَةِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحْصَنِ هُنَا الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَقَيَّدَ بِالْمُحْصَنَةِ نَظَرًا لِقَوْلِ الْمَتْنِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي اللِّعَانِ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ لِإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ هَذَا، وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ أَوْ التَّعْمِيمُ وَيَزِيدُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ أَوْ التَّعْزِيرِ.
قَوْلُهُ: (صَرِيحًا كَزَنَيْتِ إلَخْ) وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ احْتِيَاجِ نَحْوِ زِنًا وَلِوَاطٍ لَوَصْفِهِ بِتَحْرِيمٍ، وَلَا اخْتِيَارٍ وَلَا عَدَمِ شُبْهَةٍ، لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ يُفْهِمُ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي زَنَيْت بِك، وَفِي الْوَطْءِ بِخِلَافِ نَحْوِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الثَّلَاثَةِ. أَمَّا الرَّمْيُ بِإِيلَاجِهَا فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ خَلِيَّةٍ فَهُوَ كَالذَّكَرِ أَوْ مُزَوَّجَةٍ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ وَصْفِهِ بِنَحْوِ اللِّيَاطَةِ لِيَخْرُجَ وَطْءُ الزَّوْجِ فِيهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّمْيَ بِهِ غَيْرُ قَذْفٍ، بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ زِنًا وَلِيَاطَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ دُبُرٍ بَيْنَ أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَأَوْلَجْت فِي دُبُرٍ أَوْ أُولِجُ فِي دُبُرِك وَالْأَوْجَهُ قَبُولُ قَوْلِهِ: بِيَمِينِهِ أَرَدْت بِإِيلَاجِهِ فِي الدُّبُرِ إيلَاجَهُ فِي دُبُرِ زَوْجَتِهِ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فَيُعَزَّرُ. وَأَنَّ يَا لُوطِيُّ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ كَوْنِهِ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ بِخِلَافِ يَا لَائِطُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ.
وَلَوْ قَالَتْ رَاوَدَنِي عَنْ نَفْسِي، أَوْ نَزَلَ إلَى بَيْتِي وَكَذَّبَهَا عُزِّرَتْ لِإِيذَائِهَا لَهُ، بِذَلِكَ اهـ. شَرْحُ مَرَّ بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَا زَانِيَةُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا لَهَا، فَلَا يَكُونُ قَذْفًا إلَّا بِنِيَّةٍ. اهـ. زي.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَا قَحْبَةُ) كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ قَوْلَهُ: يَا مُخَنَّثُ صَرِيحٌ أَوْ يَا لُوطِيٌّ أَوْ يَا عِلْقُ، أَوْ يَا عَرْصُ أَوْ يَا مُسْتَحْسَنُ أَوْ يَا قَطِيمُ أَوْ يَا كَخِنُ وَالْمُعْتَمَدُ صَرَاحَةً قَحْبَةٌ لِلْمَرْأَةِ وَكِنَايَةً لِلرَّجُلِ، وَعَاهِرٌ وَسُوسٌ وَمَأْبُونٌ، وَطِنْجِيرٌ كَمَا ذَكَرَهُ حَلَّ عَلَى الْمَنْهَجِ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ يَا عِلْقُ كِنَايَةٌ لِأَنَّ الْعِلْقَ فِي اللُّغَةِ الشَّيْءُ النَّفِيسُ وَاللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَمِنْ الْكِنَايَةِ: يَا قَوَّادُ وَقِيلَ صَرِيحٌ.
فَرْعٌ: قَالَ مَرَّ مَا يُقَالُ: بَيْنَ الْجَهَلَةِ بَلَّاعُ الزُّبِّ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ صَرِيحًا فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَا لِاحْتِمَالِ الْبَلْعِ بِالْفَمِ اهـ. وَمِنْ الصَّرِيحِ قَوْلُهُمْ يَا فَرْخُ زِنًا. وَقَوْلُهُ لِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ، فَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِوَلَدِهِ لَسْت ابْنِي فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ. اهـ. مد عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْجَبَلِ) لَيْسَ قَيْدًا فَمِثْلُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى زَنَأْت بِالْهَمْزِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الزَّنْءَ هُوَ الصُّعُودُ) إنَّمَا كَانَ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَلَبَ الْيَاءَ هَمْزَةً فَيَكُونُ قَذْفًا. وَأَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةً فَلَا يَكُونُ قَذْفًا قَالَ: فِي الْمِصْبَاحِ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ مَهْمُوزًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَزُنُوءًا أَيْضًا صَعِدَ فَهُوَ زَانِئٌ قَوْلُهُ: (هُوَ الصُّعُودُ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ مَعْنَاهُ الصُّعُودُ وَيُسْتَعْمَلُ

الصفحة 30