كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

مِنْ الْحَدِّ. قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُبْتَلَى بِقَذْفِ امْرَأَتِهِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالنَّسَبِ الْفَاسِدِ. وَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَجَعَلَ اللِّعَانَ بَيِّنَةً لَهُ، فَلَهُ قَذْفُهَا إذَا تَحَقَّقَ زِنَاهَا بِأَنْ رَآهَا تَزْنِي أَوْ ظَنَّ زِنَاهَا ظَنًّا مُؤَكَّدًا أَوْرَثَهُ الْعِلْمَ: كَشِيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَصْحُوبًا بِقَرِينَةٍ كَأَنْ رَآهُمَا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي خَلْوَةٍ أَوْ رَآهُ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهَا أَوْ هِيَ تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعَهُ مِرَارًا فِي مَحَلِّ رِيبَةٍ أَوْ مَرَّةً تَحْتَ شِعَارٍ فِي هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْإِشَاعَةِ فَقَطْ أَوْ الْقَرِينَةِ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ اعْتِمَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الْإِشَاعَةُ فَقَدْ يُشِيعُهُ عَدُوٌّ لَهَا أَوْ مَنْ يَطْمَعُ فِيهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِخَوْفٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ طَمَعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى لَهُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهَا وَيُطَلِّقَهَا إنْ كَرِهَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ سِتْرِ الْفَاحِشَةِ وَإِقَالَةِ الْعَثْرَةِ. هَذَا حَيْثُ لَا وَلَدَ يَنْفِيه، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ، لِأَنَّ تَرْكَ النَّفْيِ يَتَضَمَّنُ اسْتِلْحَاقَهُ وَاسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ. وَإِنَّمَا يَعْلَمُ إذَا لَمْ يَطَأْ أَوْ وَطْئِهَا وَلَكِنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَطْءِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَلَ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنْ الزِّنَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ وَطْئِهِ حَرُمَ النَّفْيُ رِعَايَةً لِلْفَرَاشِ وَكَذَا الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِشَرَعَ قَوْلُهُ: (فَلَهُ قَذْفُهَا) أَيْ يَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَجَبَ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ فِيمَا إذَا عَلِمَ زِنَاهَا أَوْ ظَنَّهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ حَرُمَ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ لِأَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْفِرَاشِ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ رَآهَا تَزْنِي) الْبَاءُ لَيْسَتْ لِلْحَصْرِ بَلْ بِمَعْنَى الْكَافِ لِأَنَّ مِثْلَ الرُّؤْيَةِ إخْبَارُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَيْضًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (أَوْرَثَهُ الْعِلْمَ) أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ قَوْلُهُ: (أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعَهَا إلَخْ) هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْقَرَائِنِ لَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الشِّيَاعُ بِالزِّنَا مُطْلَقًا لَا بِزَيْدٍ فَقَوْلُهُ: فِيمَا سَبَقَ بِزَيْدٍ أَيْ مَثَلًا قَوْلُهُ: (تَحْتَ شِعَارٍ) أَيْ سِتْرٍ وَغِطَاءٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الشِّعَارُ بِالْكَسْرِ مَا وَلِيَ الْجَسَدَ مِنْ الثِّيَابِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى لَهُ) هَذَا رَاجِعٌ لِحَالَةِ جَوَازِ الْقَذْفِ، وَلِعَدَمِ جَوَازِهِ، قَالَ الْحَلَبِيُّ: فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا تَأْتِي الْفَاحِشَةَ.
قَوْلُهُ: (وَإِقَالَةُ الْعَثْرَةِ) أَيْ الْعَفْوُ عَنْهَا وَعَدَمُ إفْشَائِهَا وَالْعَثْرَةُ الزَّلَّةُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ) وَلَيْسَ مِنْ النَّفْيِ الْمُحَرَّمِ بَلْ وَلَا مِنْ النَّفْيِ مُطْلَقًا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ الْعَامَّةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكْتُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ حُجَّةً وَيُرِيدُ بِكِتَابَتِهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَلَا عَلَاقَةَ لَهُ بِهِ وَلَا يَرِثُهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مُطِيعًا لِأَبِيهِ فَلَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ مِنْ أَفْعَالِهِ شَيْءٌ، فَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ لَزِمَ الْوَلَدُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ دَعْوَى وَيَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِاللِّعَانِ عش عَلَى مَرَّ. وَلَوْ كَانَ يَطَأُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ الْمَاءِ إلَيْهِ لَمْ يَلْحَقْهُ أَوْ فِي الدُّبُرِ، فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ أَيْضًا وَلَيْسَ مِنْ الظَّنِّ عِلْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ عَقِيمٌ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ أَيْ بَعْدَ قَذْفِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّا نَجِدُ كَثِيرِينَ يَكَادُ أَنْ يُجْزَمَ بِعُقُمِهِمْ ثُمَّ يَحْبَلُونَ. اهـ. حَجّ. ومَرَّ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ عَقِيمٌ وَجَبَ النَّفْيُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ النَّفْيِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَقِيمًا وَأَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَلِمَ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاوِ وَيَجْعَلَهُ فَرْعًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا) أَيْ بِحَيْضَةٍ وَالْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَبْرَأَهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ فَيَكُونُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ مَا ذُكِرَ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْحَامِلُ قَدْ تَحِيضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمَا أَنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ جِدًّا، فَأَوْرَثَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ وَطْئِهِ) أَيْ الْقَاذِفِ قَوْلُهُ: (لِدَفْعِ النَّسَبِ) أَيْ لِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَالنَّسَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثَابِتٌ أَيْ وَإِذَا امْتَنَعَ الْمُسَبَّبُ وَهُوَ الْوَلَدُ امْتَنَعَ السَّبَبُ وَهُوَ الْقَذْفُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَطَعَ النِّكَاحَ حَيْثُ لَا وَلَدَ) أَيْ خَشْيَةَ حُدُوثِهِ مِنْ ذَلِكَ التَّلْطِيخِ. وَقَوْلُهُ: حَيْثُ لَا وَلَدَ عَلَى الْفِرَاشِ كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهِيَ عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ

الصفحة 32