كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ، وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ بِقَوْلِهِ: (فَيَقُولُ) أَيْ الزَّوْجُ (عِنْدَ الْحَاكِمِ) أَوْ نَائِبِهِ إذْ اللِّعَانُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بِحُضُورِهِ وَالْمُحَكِّمُ حَيْثُ لَا وَلَدَ كَالْحَاكِمِ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ. إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَيَرْضَى بِحُكْمِهِ، لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي النَّسَبِ فَلَا يُؤَثِّرُ رِضَاهُمَا فِي حَقِّهِ.
وَالسَّيِّدُ فِي اللِّعَانِ بَيْنَ أَمَتِهِ وَعَبْدِهِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ كَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ رَقِيقِهِ وَيُسَنُّ التَّغْلِيظُ فِي اللِّعَانِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ فَيَكُونُ فِي أَشْرَفِ مَوْضِعِ بَلَدِ اللِّعَانِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الزَّجْرِ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ (فِي الْجَامِعِ عَلَى الْمِنْبَرِ) كَمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي لِأَنَّ الْجَامِعَ هُوَ الْمُعَظَّمُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَالْمِنْبَرُ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَبَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَبَيْنَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيُسَمَّى مَا بَيْنَهُمَا بِالْحَطِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا شَيْءَ فِي مَكَّةَ أَشْرَفُ مِنْ الْبَيْتِ.
أُجِيبَ أَنَّ عُدُولَهُمْ عَنْهُ صِيَانَةً لَهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَعَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعِنْدَ الصَّخْرَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ بِقَاعِهِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَفِي ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ؛ وَتُلَاعَنُ امْرَأَةٌ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ مُتَحَيِّرَةٌ مُسْلِمَةٌ بِبَابِ الْجَامِعِ لِتَحْرِيمِ مُكْثِهَا فِيهِ. وَالْبَابُ أَقْرَبُ إلَى الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ. وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا فَرَغَ خَرَجَ الْحَاكِمُ أَوْ نَائِبُهُ إلَيْهَا، وَيُغْلِظُ عَلَى الْكَافِرِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي بِيعَةٍ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مَعْبَدُ النَّصَارَى،
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ سَقَطَ مِنْهَا مَا سَيَظْهَرُ لَك وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَقْصِدْ إسْقَاطَهُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْدُثَ وَلَدٌ عَلَى الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ.
وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ. وَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ زِنَاهَا تَعْيِيرًا لِلْوَلَدِ وَإِطْلَاقُ الْأَلْسِنَةِ فِيهِ فَلَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ مَعَ إمْكَانِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ) أَيْ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ نَفْيُهُ لِلُحُوقِهِ لَهُ وَاللِّعَانُ لِأَجْلِ الزِّنَا الَّذِي لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مِنْهُ مُمْتَنِعٌ مَعَ لُحُوقِهِ بِهِ لِتَضَرُّرِ الْوَلَدِ بِنِسْبَةِ أُمِّهِ لِلزِّنَا فَلِذَا قَالَ وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ) هِيَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِدَفْعِ النَّسَبِ.

قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) : أَيْ بَعْدَ تَلْقِينِ الْقَاضِي وَإِلَّا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ) أَيْ بِنَفْيِهِ لِعَمَلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ وَلَا يَكْفِي بِرِضَا أَبِيهِ وَأُمِّهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْوَلَدُ مُكَلَّفًا قَوْلُهُ: (إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ) أَيْ لَهُ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَوَلَّى) أَيْ بِتَلْقِينِهِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَوْلُهُ: (رَقِيقِهِ) الْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ لِأَنَّهُمَا رَقِيقَانِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ لِعَانُ رَقِيقَيْهِ. قَالَ الَأُجْهُورِيُّ قُلْت: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرًّا وَلْيَنْظُرْ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ وَالْأَمَةُ الزَّوْجَةُ لِوَاحِدٍ، فَمَنْ يَتَوَلَّى اللِّعَانَ هَلْ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَوْ هُمَا يَرْفَعَانِ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ؟ حَرَّرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَوَلَّاهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ) فِيهِ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ اللِّعَانُ فِيهِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (فِي الْجَامِعِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَدَارِسِ. قَوْلُهُ: (وَالْمِنْبَرُ أَوْلَى) لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْوَعْظِ وَالزَّجْرِ لَا لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ بِقَاعِهِ لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْفَضِيلَةِ زي مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ) وَسَوَادُهُ طَارِئٌ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «إنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ» قَوْلُهُ: (مَقَامِ إبْرَاهِيمَ) وَهُوَ الْحَجَرُ نَزَلَ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَكَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ، حَتَّى يَضَعَ آلَةَ الْبِنَاءِ فَوْقَ الْجِدَارِ ثُمَّ يَهْبِطُ بِهِ. اهـ. قل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (بِالْحَطِيمِ) لِحَطْمِ الذُّنُوبِ أَيْ إذْهَابِهَا فِيهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَطِمَ، أَيْ مَاتَ فِيهِ أُلُوفٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَعَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ لِأَنَّ غَالِبَهُ مِنْ الْبَيْتِ صَوْنًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْحَطِيمَ وَقِيلَ: إنَّ فِي الْحِجْرِ قَبْرُ إسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ قل وَقَوْلُهُ: وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ عُمَرُ لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ فِيهِ تَخْوِيفًا لِلْحَالِفِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. عش عَلَى مَرَّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مِنْبَرِي) . فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْآنَ لَيْسَ مِنْبَرَهُ بَلْ غَيْرَهُ إذْ مِنْبَرُهُ حُرِقَ.
قَوْلُهُ: (حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ) أَيْ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ جُنُبًا أَوْ الرَّجُلُ جُنُبًا سم.
قَوْلُهُ: (وَيُغَلِّظُ عَلَى الْكَافِرِ) وَدُخُولُ الْحَاكِمِ إلَى

الصفحة 33