كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

تَنْبِيهٌ: مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا كَالدَّهْرِيِّ وَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ وَعَابِدِ الْوَثَنِ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ تَغْلِيظٌ بَلْ يُلَاعِنُونَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا فَلَا يَنْزَجِرُونَ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ ذُكِرَ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ. لِأَنَّهُ وَإِنْ غَلَا فِي كُفْرِهِ وَجَدَ نَفْسَهُ مُذْعِنَةً لِخَالِقٍ مُدَبِّرٍ، وَيُسَنُّ التَّغْلِيظُ أَيْضًا (فِي جَمَاعَةٍ) أَيْ بِحُضُورِ جَمْعٍ (مِنْ) عُدُولِ أَعْيَانِ (النَّاسِ) وَصُلَحَائِهِمْ مِنْ بَلَدِ اللِّعَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَلِأَنَّ فِيهِ رَدْعًا عَنْ الْكَذِبِ وَأَقَلُّهُمْ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَرْبَعَةٌ لِثُبُوتِ الزِّنَا بِهِمْ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُحْضِرَ ذَلِكَ الْعَدَدَ، وَيَبْدَأَ فِي اللِّعَانِ بِالزَّوْجِ فَيَقُولُ: (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّنِي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي) هَذِهِ (مِنْ الزِّنَا) إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ أَوْ مَجْلِسِ اللِّعَانِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا دَفْعًا لِلِاشْتِبَاهِ. وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ يَنْفِيهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي كُلِّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ فَيَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْهَا: (وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ) إنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ إنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ إنْ كَانَ غَائِبًا (مِنْ الزِّنَا وَلَيْسَ) هُوَ (مِنِّي) لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ فَلَوْ أَغْفَلَ ذِكْرَ الْوَلَدِ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَ مِنِّي أَنَّهُ لَا يَكْفِي، قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَبِهِ أَجَابَ كَثِيرُونَ لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ وَطْءَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ زِنًا وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَكْفِي. كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا لَيْلًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُ وَإِلَّا لَمَا حَلَّفْنَاهُمْ فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ: (مَنْ لَا يُنْتَحَلُ) أَيْ لَا يُخْتَارُ.
قَوْلُهُ: (كَالدُّهْرِيِّ) . بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَبِفَتْحِهَا كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَهُوَ الْمُعَطَّلُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الدُّهْرِيُّ بِالضَّمِّ الْمُسِنُّ وَبِالْفَتْحِ الْمُلْحِدُ وَهُوَ مَنْ يَنْسِبُ الْأَفْعَالَ لِلدَّهْرِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] أَيْ إلَّا مُرُورُ الزَّمَانِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مُدَّةُ بَقَاءِ الْعَالَمِ قَالَ ثَعْلَبٌ وَهُمَا جَمِيعًا مَنْسُوبَانِ إلَى الدَّهْرِ وَهُمْ رُبَّمَا غَيَّرُوا فِي النَّسَبِ كَمَا يُقَالُ سُهَيْلِيٌّ لِلْمَنْسُوبِ إلَى الْأَرْضِ السَّهْلَةِ وَعِبَارَةُ حَلَّ الدَّهْرِيُّ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعَطِّلُ أَيْ لِلصَّانِعِ. قَوْلُهُ: (وَالزِّنْدِيقُ) بِكَسْرِ الزَّايِ بِوَزْنِ قِنْدِيلٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَعَابِدُ الْوَثَنِ) أَيْ الصَّنَمِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْجَمْعُ وُثْنٌ كَأَسَدٍ وَأُسْدٌ وَأَوْثَانٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ غَلَا) أَيْ تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي كُفْرِهِ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة: 77] أَيْ لَا تَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ فِي دِينِكُمْ بِأَنْ تَصِفُوا عِيسَى وَتَرْفَعُوهُ فَوْقَ حَقِّهِ اهـ. جَلَالَيْنِ أَيْ بِأَنْ تَجْعَلُوهُ إلَهًا قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) أَيْ: بَعْدَ التَّلْقِينِ.
قَوْلُهُ: (لِمَرَضٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي مَرَّ قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ الْخَمْسَةِ) . ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْخَامِسَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْ قَوْلُهُ: وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهَا بِمَا يُنَاسِبُ، كَأَنْ يَقُولَ وَإِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَفِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا، وَلَيْسَ مِنِّي اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ) أَوْ حَمْلَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا رَمَيْت كَمَا فِي ابْنِ قَاسِمٍ فَيَقْرَأَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ مِنْ مَدْخُولِ الصِّدْقِ وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: إنَّنِي لَمِنْ الصَّادِقِينَ مَعْمُولًا لِأَشْهَدَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ هُوَ مِنِّي) أَبْرَزَ الضَّمِيرَ إيضَاحًا قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ إلَخْ) لَعَلَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: ذَكَرَهُ فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَالَ شَيْخُنَا: وَالتَّعْلِيلُ ظَاهِرٌ فِي الْمَرَّاتِ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ أَمَّا الْخَامِسَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِهَا لَا أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَاهِدٍ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.
وَقَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ عِلَّةٌ لِأَصِل الذِّكْرِ. قَوْلُهُ: (احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ) . ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ اللِّعَانَ جَمِيعَهُ وَلَوْ كَانَ إغْفَالُ ذِكْرِ الْوَلَدِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ بَيْنَ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ شَرْطٌ كَمَا يَأْتِي. فَإِذَا أَغْفَلَ ذِكْرَهُ فِي الرَّابِعَةِ مَا أَتَى بِهِ أَجْنَبِيٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا بَدَلَ الرَّابِعَةِ الَّتِي أَغْفَلَ فِيهَا ذِكْرَ الْوَالِدِ،. اهـ. عش. قَوْلُهُ: (وَبِهِ أَجَابَ) لَعَلَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ سُئِلَ

الصفحة 35