كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ حَمْلًا لِلَفْظِ الزِّنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَكْفِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يُشْبِهَهُ خَلْقًا وَلَا خُلُقًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْنِدَهُ مَعَ ذَلِكَ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ مِنْ زِنًا أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ.
وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَكُرِّرَتْ الشَّهَادَةُ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ. لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مُقَامَ أَرْبَعِ شُهُودٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ شَهَادَاتٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَيْمَانٌ، وَأَمَّا الْكَلِمَةُ الْخَامِسَةُ الْآتِيَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ (وَيَقُولُ فِي) الْمَرَّةِ (الْخَامِسَةِ بَعْدَ أَنْ يَعِظَهُ الْحَاكِمُ) نَدْبًا بِأَنْ يُخَوِّفَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالٍ «اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ» وَيَأْمُرُ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ لَعَلَّهُ يَنْزَجِرُ فَإِنْ أَبَى بَعْدَ مُبَالَغَةِ الْحَاكِمِ فِي وَعْظِهِ إلَّا الْمُضِيَّ قَالَ لَهُ: قُلْ (وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ) فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَيُشِيرُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَيُمَيِّزُهَا فِي الْغَيْبَةِ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْخَامِسَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذِكْرُ ذَلِكَ، وَسُكُوتُهُ أَيْضًا عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ فِي الْخَامِسَةِ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفْيِهِ ذِكْرُهُ فِيهَا. وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَسَكَتَ أَيْضًا عَنْ ذِكْرِ الْمُوَالَاةِ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَيُؤَثِّرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ قَذَفَ وَلَمْ تُثْبِتْهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ. وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ كَأَنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ أَثْبَتَتْ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ قَالَ فِي الْأَوَّلِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ إصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ تِلْكَ الْإِصَابَةِ إلَى آخِرِ الْكَلِمَاتِ وَفِي الثَّانِي فِيمَا أَثْبَتَتْ عَلَيَّ مِنْ رَمْيِ إيَّاهَا بِالزِّنَا إلَى آخِرِهِ. وَلَا تُلَاعِنُ الْمَرْأَةُ فِي الْأَوَّلِ إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِهَذَا اللِّعَانِ حَتَّى تُسْقِطَهُ بِلِعَانِهَا

(وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ) أَيْ بِتَمَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانِهَا وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا فِي الرَّوْضَةِ.
(خَمْسَةُ أَحْكَامٍ) وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ أَيْضًا فِي الْمِنْهَاجِ وَذَكَرَ فِي الزَّوَائِدِ زِيَادَةً عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي مَعَ غَيْرِهَا. الْأَوَّلُ (سُقُوطُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ: هَلْ يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ لَا فَقَالَ: لَا يَكْفِي وَقَالَ شَيْخُنَا أَتَى بِصِيغَةِ الْجَوَابِ لَعَلَّهُ لِذِكْرِهِ مَا ذَكَرَ بِصُورَةِ سُؤَالٍ.
قَوْلُهُ: (وَالشُّبْهَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ إذْ الشُّبْهَةُ هُنَا لَا تَكُونُ إلَّا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِمَا عُلِمَ، أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُلَاعِنِ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا) أَيْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُسْنِدَهُ) أَيْ قَوْلَهُ: لَيْسَ مِنِّي وَقَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ قَوْلِهِ: لَيْسَ مِنِّي وَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ مَعَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ وَقَضِيَّتُهُ اشْتِرَاطُ الْجَمْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ: إلَى سَبَبٍ أَيْ كَالزِّنَا قَوْلُهُ: (لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ آيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ الشَّامِلَةُ لِلِعَانِهِ وَلِعَانِهَا، قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ) الْأَوْلَى وَلِأَنَّهَا إلَخْ تَعْلِيلٌ ثَانٍ وَعِبَارَةُ مَرَّ. وَلِأَنَّهَا قَوْلُهُ: (لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ) أَيْ لِلْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْخَمْسَةُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا إلَخْ) وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ وَيَذْكُرُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ " حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ هَلْ مِنْ تَائِبٍ " سم.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ الْمُضِيِّ فِي تَمَامِ اللِّعَانِ فِي الْخَامِسَةِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَيُؤْثَرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ) وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهَا) وَأَمَّا الْوَلَاءُ بَيْنَ لِعَانَيْ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، قَوْلُهُ: (وَهَذَا كُلُّهُ) الْإِشَارَةُ لِقَوْلِهِ: السَّابِقِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا قَوْلُهُ: (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ

قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانِهَا) أَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ مَالِكٌ. وَقِيلَ: بِالتَّوَقُّفِ عَلَى لِعَانِهَا وَهُوَ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الثَّالِثِ وَالْخَامِسِ وَلَا يُعْقَلُ فِي غَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي)

الصفحة 36