كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

الْحَدِّ) أَيْ سُقُوطُ حَدِّ قَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ (عَنْهُ) إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً وَسُقُوطُ التَّعْزِيرِ عَنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً وَلَا يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفِ الزَّانِي عَنْهُ إلَّا إنْ ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعُقُوبَةِ بَدَلَ الْحَدِّ لِيَشْمَلَ التَّعْزِيرَ (وَ) الثَّانِي (وُجُوبُ الْحَدِّ) أَيْ حَدِّ الزِّنَا (عَلَيْهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إنْ لَمْ تُلَاعِنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ، وَعَلَى سُقُوطِهِ بِلِعَانِهَا. (وَ) الثَّالِثُ (زَوَالُ الْفِرَاشِ) أَيْ فِرَاشِ الزَّوْجِ عَنْهَا لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ: «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ كَالرَّضَاعِ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ وَتَحْصُلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» .
تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْفِرَاشِ مُرَادُهُ بِهِ الزَّوْجِيَّةُ كَمَا مَرَّ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ (وَ) الرَّابِعُ (نَفْيُ) انْتِسَابِ (الْوَلَدِ) إلَيْهِ إنْ نَفَاهُ فِي لِعَانِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ الْمُلَاعِنُ إلَى نَفْيِ نَسَبِ وَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ كَأَنْ طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ قَوْلُهُ: (مَعَ غَيْرِهَا) أَيْ مَعَ غَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ قَوْلُهُ: (حَدُّ قَذْفِ الزَّانِي) أَيْ إنْ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ تَعْزِيرُهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَقَوْلُهُ: عَنْهُ أَيْ عَنْ الْمُلَاعِنِ قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ ذَكَرَهُ إلَخْ) . وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَأَرَادَ إعَادَةَ اللِّعَانِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ بِقَذْفِهِ، فَلَهُ الْإِعَادَةُ لِذِكْرِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ قَوْلُهُ: (وَوُجُوبُ الْحَدِّ) : اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ الْحَدُّ وَهُوَ إمَّا الْجَلْدُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً أَوْ الرَّجْمُ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً، وَلَا يَتَأَتَّى وُجُوبُ تَعْزِيرٍ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ. وَأَمَّا الْوَاجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ فَهُوَ الْحَدُّ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً. أَوْ التَّعْزِيرُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ حَدِّهَا وَحَدِّهِ فَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ التَّعْزِيرُ، بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ وَالْمُرَادُ بِالتَّعْزِيرِ الَّذِي يُلَاعَنُ لِنَفْيِهِ هُوَ تَعْزِيرُ التَّكْذِيبِ كَقَذْفِ أَمَةٍ، أَوْ صَغِيرَةٍ تُوطَأُ أَوْ كَافِرَةٍ، وَأَمَّا تَعْزِيرُ التَّأْدِيبِ فَلَا يُلَاعَنُ لِنَفْيِهِ كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ وَقَذْفِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ لِعَانٍ مَعَ امْتِنَاعِهَا مِنْهُ، أَيْ مِنْ اللِّعَانِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ كَاذِبٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فَلَا حَاجَةَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَقَدْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِاللِّعَانِ، بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدِ الشُّبْهَةِ قَوْلُهُ: (أَيْ حَدُّ الزِّنَا) أَيْ الَّذِي ثَبَتَ بِالْأَيْمَانِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلُهُ: (وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ) لَا فَائِدَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهَا فُرْقَةَ فَسْخٍ أَوْ فُرْقَةَ طَلَاقٍ إلَّا الْأَيْمَانَ وَالتَّعَالِيقَ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ لَهُ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَهِيَ فُرْقَةُ انْفِسَاخٍ لِأَنَّ هَذَا انْفِسَاخٌ لَا فَسْخٌ.
قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ لَفْظٍ) هَذَا هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ فُرْقَةِ الرَّضَاعِ وَفُرْقَةِ اللِّعَانِ أَيْ بِغَيْرِ لَفْظٍ، دَالٍّ عَلَى الْفُرْقَةِ فَلَا يُرَدُّ مَا يُقَالُ. إنَّ اللِّعَانَ لَفْظٌ فَكَيْفَ يَقُولُ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللِّعَانِ إثْبَاتُ زِنَاهَا وَنَفْيُ الْوَلَدِ وَالْفُرْقَةُ مُرَتَّبَةٌ عَلَيْهِ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (الْمُتَلَاعِنَانِ) هَذَا التَّفَاعُلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مَتَى لَاعَنَ وَتَمَّ لِعَانُهُ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ سَوَاءٌ لَاعَنَتْ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) حَتَّى فِي الْجَنَّةِ قَالَ الزِّيَادِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْمُلَاعَنَةِ أَبَدًا وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَاسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ شِرَائِهَا، وَإِنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ فَلَا يُفِيدُهُ إكْذَابُهَا عَوْدُ النِّكَاحِ وَلَا رَفْعُ تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ، لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهُ وَقَدْ بَطَلَا بِاللِّعَانِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَلُحُوقِ النَّسَبِ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدُّهَا فَهَلْ يَسْقُطُ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ لَمْ أَرَهُ لَكِنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ السُّقُوطَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ فَلَا تُحَدَّ وَلَا تَحْتَاجَ إلَى اللِّعَانِ.
قَوْلُهُ: (الزَّوْجِيَّةُ) كَذَا فِي نُسَخٍ وَفِي بَعْضِهَا الزَّوْجَةُ.
قَوْلُهُ: (وَنَفْيُ الْوَلَدِ) الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الِانْتِفَاءُ وَلَوْ لَاعَنَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ فَبَانَ أَنْ لَا حَمْلَ، أَوْ لَاعَنَ وَلَا وَلَدَ فَبَانَ فَسَادُ نِكَاحِهِ، بَانَ فَسَادُ لِعَانِهِ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ كَتَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ سم.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَخْ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: فِيمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ يَنْفِيهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ) أَيْ شَرْعًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عِلْمِ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ شَرْعًا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ اسْتَحَالَ شَرْعًا مَعَ إمْكَانِ

الصفحة 37