كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

لِحَقِّ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ، وَالنَّاكِحِ الثَّانِي، وَالْمُغَلَّبُ فِيهَا التَّعَبُّدُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي بِقُرْءٍ وَاحِدٍ مَعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِهِ (وَالْمُعْتَدَّةُ) مِنْ النِّسَاءِ (عَلَى ضَرْبَيْنِ مُتَوَفَّى عَنْهَا وَغَيْرُ مُتَوَفَّى عَنْهَا) سَلَكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَقْسِيمِ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ طَرِيقَةً حَسَنَةً مَعَ الِاخْتِصَارِ؛ ثُمَّ بَدَأَ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (فَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (إنْ كَانَتْ حَامِلًا) بِوَلَدٍ يَلْحَقُ الْمَيِّتَ. (فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ) أَيْ انْفِصَالِ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِي تَوْأَمَيْنِ وَلَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَهُوَ مُقَيَّدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجِيبَ بِأَنَّهَا حِكْمَةٌ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا قَوْلُهُ: (وَتَحْصِينًا لَهَا) أَيْ الْأَنْسَابِ وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ: مِنْ الِاخْتِلَاطِ. أَيْ الِاشْتِبَاهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّحِمَ إذَا دَخَلَهُ مَنِيُّ الرَّجُلِ انْسَدَّ فَمُهُ فَلَا يَقْبَلُ مَنِيًّا آخَرَ فَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَاطُ مَاءَيْنِ.
قَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِحَقِّ الزَّوْجَيْنِ) فَحَقُّ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ، وَحَقُّ الزَّوْجِ عَدَمُ اشْتِبَاهِ مَائِهِ بِمَاءِ الْغَيْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا الزَّوْجُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِالْعِدَّةِ مِنْ أَيِّ الزَّوْجَيْنِ الْوَلَدُ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلِأَجْلِ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَبُوهُ وَقَوْلُهُ: وَالنَّاكِحُ الثَّانِي أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَعْلَمَ هَلْ الْوَلَدُ مِنْهُ أَوْ لَا؟ قَوْلُهُ: (مِنْ النِّسَاءِ) بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ قَوْلُهُ: (مُتَوَفَّى عَنْهَا وَغَيْرُ مُتَوَفَّى عَنْهَا) لَفْظُ مُتَوَفَّى فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ عَنْهَا سم وَتَخْتَصُّ فُرْقَةُ الْوَفَاةِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ: حَجّ. أَمَّا الْفَاسِدُ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِيهِ وَطْءٌ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ وَطْءُ شُبْهَةٍ وَفِيهِ مَا فِي فُرْقَةِ الْحَيِّ. اهـ. مَرَّ.
قَوْلُهُ: (انْفِصَالٌ كُلُّهُ) حَتَّى شَعْرَهُ الْمُتَّصِلَ بِهِ مَرَّ. وَلَوْ مَاتَتْ عَقِبَهُ. وَعِبَارَةُ مد قَوْلُهُ انْفِصَالٌ كُلُّهُ إلَّا الشَّعْرَ فَإِنَّهُ إنْ بَقِيَ فِي الْجَوْفِ لَمْ يُؤَثِّرْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا وَقَدْ انْفَصَلَ كُلُّهُ مَا عَدَا الشَّعْرِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ وَمِثْلُهُ الظُّفْرُ. اهـ. سم وَفِي عش عَلَى مَرَّ.
أَيْ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ بِأَنْ كَانَ مِنْ زَوْجِهَا وَخُلِقَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ وَطِئَهَا غَيْرُ آدَمِيٍّ وَاحْتُمِلَ كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الزَّوْجِ لَا يَمْنَعُ مِنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ نِسْبَتُهُ إلَى ذِي الْعِدَّةِ وَلَوْ احْتِمَالًا وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (تَوْأَمَيْنِ) أَيْ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ ثَلَاثَةً انْقَضَتْ بِالثَّالِثِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحَقُوهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، وَبَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ دُونَهَا لَحَقَاهُ دُونَ الثَّالِثِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، وَبَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ دُونَهَا لَمْ يَلْحَقَاهُ، أَيْ الْأَخِيرَانِ، لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ آخَرُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَوَّلِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَا بَيْنَ كُلٍّ وَتَالِيهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. اهـ. زي. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْمَ بِلَا هَمْزَةٍ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْوَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَبِهَمْزٍ كَرَجُلٍ تَوْأَمٍ وَامْرَأَةٍ تَوْأَمَةٍ مُفْرَدًا وَتَثْنِيَتُهُ تَوْأَمَانِ، كَمَا فِي الشَّارِحِ فَاعْتِرَاضُهُ: بِأَنَّهُ لَا تَثْنِيَةَ لَهُ وَهْمٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّوْمِ بِلَا هَمْزَةٍ وَالتَّوْأَمِ بِالْهَمْزِ وَأَنَّ تَثْنِيَةَ الشَّارِحِ إنَّمَا هِيَ لِلْمَهْمُوزِ لَا غَيْرُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ عش عَلَى مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ انْفِصَالُ التَّوْأَمِ الثَّانِي بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ بِأَنْ وَضَعَتْ أَحَدَهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهَا وَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُقَيَّدٌ لِقَوْلِهِ إلَخْ) جَعَلَهُ هُنَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ هُنَا فِعْلٌ وَهُوَ {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] وَلَا عُمُومَ لَهُ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ، وَالْمَوْجُودُ فِيمَا يَأْتِي عَامٌّ وَهُوَ {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228] وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: 234] مَعْنَاهُ وَزَوْجَاتُ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ، بِدَلِيلِ يَتَرَبَّصْنَ فَيَكُونُ عَامًّا كَقَوْلِهِ {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228] فَإِنَّهُ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَا لِلْفِعْلِ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ مُرَادُهُ بِهِ التَّخْصِيصُ كَمَا سَيُعَبِّرُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي فَهُوَ مُقَيَّدٌ، إنْ نَظَرَ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ. وَهُوَ يُتَوَفَّوْنَ فَإِنَّ الْفِعْلَ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ مَعْنًى وَمُخَصَّصٌ إنْ نُظِرَ لِلْمَوْصُولِ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ عَامٌّ فَالْمُغَايِرَةُ لِلتَّفَنُّنِ.
قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِينَ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ وَيُتَوَفَّوْنَ

الصفحة 42