كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)

كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى يَنْزِلَ السَّيِّدُ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي أَوْ يَمُوتَ فُلَانٌ (فَهُوَ مُولٍ) لِضَرَرِهَا بِمَنْعِ نَفْسِهِ مِمَّا لَهَا فِيهِ حَقُّ الْعَفَافِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الزَّوْجَةِ أَمَتُهُ فَلَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا وَبِقَيْدِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، مَا إذَا حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا مُدَّةً وَسَكَتَ، أَوْ لَا يَطَؤُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا فِيهِمَا.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِتَرَدُّدِ اللَّفْظِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِصَبْرِهَا عَنْ الزَّوْجِ هَذِهِ الْمُدَّةَ. فَإِذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ، فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. فَلَيْسَ بِمُولٍ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْإِيلَاءِ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ لَكِنْ إثْمَ الْإِيذَاءِ لَا إثْمَ الْإِيلَاءِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَكَأَنَّهُ دُونَ إثْمِ الْمُولِي. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ تَقْدِرُ فِيهِ عَلَى رَفْعِ الضَّرَرِ. بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا رَفْعَ لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ هَذَا إذَا أَعَادَ حَرْفَ الْقَسَمِ. فَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَلَا أَطَؤُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَانَ مُولِيًا لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك سِتَّةَ أَشْهُرٍ. فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ.
وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْإِيلَاءِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَيَّدَ) عَطْفٌ عَلَى مُطْلَقًا أَيْ أَوْ مُقَيَّدًا بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ أَيْ فَنُزُولُ عِيسَى بَعِيدٌ، وَكَذَا الْمَوْتُ بَعِيدٌ فِي ظَنِّ ابْنِ آدَمَ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ الْحَيَاةِ وَطُولِ الْأَمَلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ أَقْرَبَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ ق ل: وَمِثْلُهُ لَا أَطَؤُك إلَّا فِي الدُّبُرِ، بِخِلَافِ إلَّا فِي النِّفَاسِ وَإِلَّا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَإِلَّا فِي الْحَيْضِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَنْعَ فِيهَا لِعَارِضٍ بِخِلَافِ الدُّبُرِ فَإِنَّ الْمَنْعَ لِذَاتِهِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْزِلَ السَّيِّدُ عِيسَى) فِي مُسْلِمٍ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَأَنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَ إمَامٍ مِنَّا، تَكَرُّمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. وَجَاءَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بَعْدَ نُزُولِهِ، وَيُولَدُ لَهُ وَلَدَانِ، ذَكَرٌ وَأُنْثَى، يُسَمِّي الذَّكَرَ مُحَمَّدًا وَالْأُنْثَى تُسَمَّى فَاطِمَةَ، وَيُدْفَنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي تَرْجَمَةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رِوَايَةَ الطَّبَرَانِيِّ وَالطَّبَرِيِّ «أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا نَزَلَ إلَى الْأَرْضِ بَعْدَ الرَّفْعِ فِي حَيَاةِ أُمِّهِ وَخَالَتِهِ فَوَجَدَ أُمَّهُ تَبْكِي عِنْدَ الْجِذْعِ فَأَخْبَرَهَا بِحَالِهِ، فَسَكَنَ مَا بِهَا وَوَجَّهَ الْحَوَارِيِّينَ فِي بَعْضِ الْحَوَائِجِ» .
قَالَ الطَّبَرِيُّ: فَإِذَا جَازَ نُزُولُهُ بَعْدَ رَفْعِهِ مَرَّةً، قَبْلَ نُزُولِهِ آخِرَ الزَّمَانِ فَلَا بِدْعَ أَنْ يَنْزِلَ مَرَّاتٍ وَنَقَلَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ أَيَّامَ سِيَاحَتِهِ فِي طَلَبِ مَنْ يُرْشِدُهُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ، قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى غَيْضَةٍ فَرَأَى قَوْمًا مِنْ أَرْبَابِ الْبَلَايَا، يَجْلِسُونَ تُجَاهَ الْغَيْضَةِ فِي وَقْتٍ يَعْرِفُونَهُ فَيَخْرُجُ لَهُمْ الْمَسِيحُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَيَمْسَحُ يَدَهُ عَلَى عَاهَاتِهِمْ فَيَبْرَءُونَ مِنْهَا كُلِّهَا، فَاجْتَمَعَ بِهِ سَلْمَانُ وَأَعْلَمَهُ بِقُرْبِ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِنَنِ.
قَوْلُهُ: (لِضَرَرِهَا إلَخْ) : عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ مُولٍ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُولٍ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ، مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَإِلْزَامِهِ بَعْدَهَا، بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْإِثْمِ لِضَرَرِهَا إلَخْ. فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ لَا لِإِيلَائِهِ نَفْسَهُ فَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ عِلَّةَ إيلَائِهِ وَحَلِفِهِ تَضَرُّرُهَا إذْ لَا يَصِحُّ الْمَعْنَى. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ فَلِمَ حَكَمَ بِالْإِيلَاءِ فِي مُدَّةِ الزِّيَادَةِ، عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
قُلْت: أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا حَلَفَ قَطَعَ رَجَاءَهَا مِنْ الْعِفَّةِ فِي الْمُدَّةِ، فَرُبَّمَا لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَنْقَطِعُ الرَّجَاءُ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَالَ إلَخْ) مُحْتَرِزُ قَيْدٍ مُقَدَّرٍ فِي الْمَتْنِ أَيْ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ وَمَا هُنَا يَمِينَانِ.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ بِمُولٍ) . بَلْ حَالِفٌ يَلْزَمُهُ بِالْمُخَالَفَةِ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ، وَمَدَارُ كَوْنِهِ لَيْسَ مُولِيًا عَلَى إعَادَةِ الْيَمِينِ الثَّانِي سَوَاءٌ. قَالَ: فَإِذَا مَضَتْ أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْيَمِينَ الثَّانِيَ كَانَ مُولِيًا. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْإِيلَاءِ) وَهِيَ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي، وَطَلَبِ الْفَيْئَةِ مِنْهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ الطَّلَاقِ فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. وَكَيْفِيَّةُ طَلَاقِ الْقَاضِي عَنْ الْمُولِي إذَا امْتَنَعَ أَنْ يَقُولَ: أَوْقَعْت عَلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانَةَ طَلْقَةً عَلَيْهِ فِي زَوْجَتِهِ، أَوْ حَكَمْت عَلَيْهِ فِي زَوْجَتِهِ بِطَلْقَةٍ. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقَعْ. وَكَيْفِيَّةُ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي أَنْ تَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءَ وَأَنَّ مُدَّتَهُ قَدْ انْقَضَتْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، وَتَطْلُبُ مِنْهُ دَفْعَ الضَّرَرِ بِالْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِهِ بِالْفَيْئَةِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّ إثْمَ الْإِيذَاءِ) ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: هَذَا أَيْ قَوْلُهُ فَلَيْسَ بِمُولٍ قَوْلُهُ: (لَا رَفْعَ لَهُ) . أَيْ لِلضَّرَرِ قَوْلُهُ: (فَإِيلَاءَانِ) أَيْ إنْ أَعَادَ الْيَمِينَ الثَّانِيَ، وَأَعَادَ قَوْلُهُ: فَإِذَا مَضَتْ وَإِنْ حَذَفَ الْيَمِينَ الثَّانِيَ، فَإِيلَاءٌ وَاحِدٌ وَكَذَا إنْ أَعَادَ الْيَمِينَ الثَّانِيَ لَكِنْ حَذَفَ قَوْلُهُ: فَإِذَا

الصفحة 5