كتاب حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (اسم الجزء: 4)
فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ حُرَّةٌ فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ وَلَوْ عَجَزَ السَّيِّدُ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ أُجْبِرَ عَلَى تَخْلِيَتِهَا لِتَكْتَسِبَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى إيجَارِهَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهَا وَتَزْوِيجِهَا. كَمَا لَا يُرْفَعُ مِلْكُ الْيَمِينِ بِالْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ الْكَسْبِ فَنَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مِنْ الْإِقْنَاعِ فِي حَلِّ أَلْفَاظِ أَبِي شُجَاعٍ، فَدُونَك مُؤَلَّفًا مُوَضَّحَ الْمَسَائِلِ، مُحَرَّرَ الدَّلَائِلِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ نَفْسٌ نَاطِقَةٌ، وَلِسَانٌ مُنْطَلِقَةٌ، لَقَالَ بِمَقَالٍ صَرِيحٍ وَكَلَامٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَغْرَمَانِ لِوَارِثِهِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ) أَيْ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ كَإِبَاقٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَعُودَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ) بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ.
قَوْلُهُ: (غَرِمَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ السَّيِّدِ بِإِيلَادِ أَمَتِهِ أَيْ غَرِمَا قِيمَةَ الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقْتَ مَوْتِ سَيِّدِهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُمَا فَوَّتَا عَلَى الْوَارِثِ رِقَّهَا بِشَهَادَتِهِمَا.
قَوْلُهُ: (أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ) أَيْ لِسَيِّدِهَا وَإِنَّمَا لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى السَّيِّدِ بِظَنِّهِ وَالْمُرَادُ قِيمَتُهُ وَقْتَ وِلَادَتِهِ قَوْلُهُ: (فَالْوَلَدُ) أَيْ وَلَدُهُ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (وَتُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا) أَيْ مِنْهُ ثُمَّ إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ مُؤْنَةِ نَفْسِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِلسَّيِّدِ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى إيجَارِهَا) لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ أُجْرَتِهَا.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَا يُرْفَعُ إلَخْ) هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ يَجِبُ بِالْمِلْكِ دُونَ الِاسْتِمْتَاعِ وَأَيْضًا الْإِنْفَاقُ لَا بُدَّ مِنْهُ بِخِلَافِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ ثَمَّ قَالَ الْمَرْحُومِيُّ اُنْظُرْ مَا الْجَامِعُ أَيْ مَا الْجَامِعُ بَيْنَ الْإِنْفَاقِ وَالِاسْتِمْتَاعِ فَإِنَّ الْإِنْفَاقَ يَجِبُ بِالْمِلْكِ دُونَ الِاسْتِمْتَاعِ فَيَنْبَغِي التَّعْلِيلُ بِأَنَّ طَرِيقَ تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْعِتْقِ وَالتَّزْوِيجِ حَتَّى يُجْبَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا بَلْ يَكْفِي تَخْلِيَتُهَا لِلْكَسْبِ أَوْ إيجَارُهَا لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ كَمَا لَا يَرْفَعُ مِلْكُ الْيَمِينِ إلَخْ. كَمَا أَسْقَطَهُ م ر لَكَانَ أَوْلَى لِمَا لَا يَخْفَى وَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ نَفْسِهَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ الْكَسْبِ) أَيْ الْجَائِزِ اللَّائِقِ بِهَا.
قَوْلُهُ: (فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ فَرْضًا بِالْفَاءِ لَا قَرْضًا بِالْقَافِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ) اُنْظُرْ هَلْ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ أَوْ لَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنْ نُظِرَ لِعِلْمِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ بِالْأَحْكَامِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي الظَّاهِرِ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ هُنَا عَلَى بَابِهِ. وَإِنْ نُظِرَ لِمَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ إذْ لَا يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّبَرِّي مِنْ دَعْوَى الْأَعْلَمِيَّةِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَيْ مِنْ كُلِّ عَالِمٍ.
وَزَعَمَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ. قِيلَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لِلْإِعْلَامِ بِخَتْمِ الدَّرْسِ. وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا إيهَامَ فِيهِ بَلْ فِيهِ غَايَةُ التَّفْوِيضِ الْمَطْلُوبِ بَلْ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْعِلْمِ فِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَدُلُّ لَهُ. اهـ. .
كَلَامُهُ وَقَوْلُهُ بِالصَّوَابِ أَيْ إصَابَةِ الْحَقِّ لِمَا يُوَافِقُ الْوَاقِعَ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ. اهـ. دَيْرَبِيٌّ فِي خَتْمِ سم.
[خَاتِمَة الْكتاب]
قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِقْنَاعِ) أَيْ الرِّضَا مِنْ قَنَعَ كَرِضَى وَزْنًا وَمَعْنَى وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ الْإِرْضَاءُ لِأَنَّ الْإِقْنَاعَ مَصْدَرُ أَقْنَعَ أَيْ جَعَلَ غَيْرَهُ قَانِعًا لِأَنَّ الْهَمْزَةَ صَيَّرَتْهُ مُتَعَدِّيًا بَعْدَ أَنْ كَانَ لَازِمًا. قَوْلُهُ: (فِي حَلِّ أَلْفَاظِ) أَيْ وَمَعْنَاهُ وَإِنَّمَا آثَرَ التَّعْبِيرَ بِالْأَلْفَاظِ تَوَاضُعًا مِنْهُ وَفِي تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ مَنْ قَنَعَ بِهِ كَفَاهُ عَنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَدُونَك) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ وَقَوْلُهُ: مُؤَلَّفًا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمُصَنَّفِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ حُصُولُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ دُونَ الْمُصَنَّفِ وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ هُنَا مِنْ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ.
قَوْلُهُ: (مُوَضَّحُ الْمَسَائِلِ) يَجُوزُ فِيهِ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ وَبِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَقَعَ عَلَيْهِ التَّوْضِيحُ وَالْمَسَائِلُ جَمْعُ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ إثْبَاتُ الْمَحْمُولِ لِلْمَوْضِعِ وَلَهُ اعْتِبَارَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا إنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهُ. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يُقَالُ لَهُ مَسْأَلَةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَطْلُبُ لِدَلِيلٍ يُقَالُ لَهُ: مَطْلُوبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ لِرِسَالَةِ آدَابِ الْبَحْثِ وَيُسَمَّى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهُ مُسْئَلٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقَعُ فِيهِ الْبَحْثُ مَبْحَثًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِالْحُجَّةِ نَتِيجَةً، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَطْلُبُ بِالدَّلِيلِ مَطْلُوبًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدَّعِي مُدَّعًى اهـ.
قَوْلُهُ: (مُحَرَّرٌ) أَيْ مُهَذَّبُ الدَّلَائِلِ جَمْعِ دَلِيلٍ وَجَمْعُهُ عَلَى دَلَائِلِ غَيْرُ مَقِيسٍ كَمَا قَالَهُ
الصفحة 503
507