كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 4)

وَتَشَعَّبُوا إِلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَافْتِرَاقُ الْيَهُودِ إِلَى مُوسَوِيَّةٍ وَهَارُونِيَّةٍ وَدَاوُدِيَّةٍ وَسَامِرِيَّةٍ وَتَشَعَّبُوا إِلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتِرَاقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَأَصْحَابُهُ. وَقِيلَ: مَعْنَى فَرَّقُوا دِينَهُمْ آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، وَأَضَافَ الدِّينَ إِلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَزِمُوهُ إِذْ هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي أَلْزَمَهُ الْعِبَادَ فَهُوَ دِينُ جَمِيعِ النَّاسِ بِهَذَا الْوَجْهِ.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَالْأَخَوَانِ فَارَقُوا هُنَا وَفِي الرُّومِ بِأَلِفٍ
وَمَعْنَاهَا قَرِيبٌ مِنْ قِرَاءَةِ بَاقِي السَّبْعَةِ بِالتَّشْدِيدِ تَقُولُ ضَاعَفَ وَضَعَّفَ. وَقِيلَ: تَرَكُوهُ وَبَايِنُوهُ، وَمَنْ فَرَّقَ دِينَهُ فَآمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فَقَدْ فَارَقَ دِينَهُ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ. وَقَرَأَ إِبْرَاهِيمُ وَالْأَعْمَشُ وَأَبُو صَالِحٍ فَرَّقُوا بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَكانُوا شِيَعاً أَيْ أَحْزَابًا كُلٌّ مِنْهُمْ تَابِعٌ لِشَخْصٍ لَا يَتَعَدَّاهُ لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ أَيْ لَسْتَ مِنْ تَفْرِيقِ دَيْنِهِمْ أَوْ مِنْ عِقَابِهِمْ أَوْ مِنْ قِتَالِهِمْ، أَوْ هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْمُبَايَنَةِ التَّامَّةِ وَالْمُبَاعَدَةِ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
إِذَا حَاوَلَتَ فِي أَسَدٍ فُجُورًا ... فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي
احْتِمَالَاتٌ أَرْبَعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيْ لَا تَشْفَعُ لَهُمْ وَلَا لَهُمْ بِكَ تَعَلُّقٌ وَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الْكُفَّارِ وَعَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْعُصَاةِ وَالْمُتَنَطِّعِينَ فِي الشَّرْعِ إِذْ لَهُمْ حَظٌّ مِنْ تَفْرِيقِ الدِّينِ، وَلَمَّا نَفَى كَوْنَهُ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ حَصَرَ مَرْجِعَ أَمْرِهِمْ مِنْ هَلَاكٍ أَوِ اسْتِقَامَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مُجَازِيهِمْ بِأَفْعَالِهِمْ وَذَلِكَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لَهُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذِهِ آيَةٌ لَمْ يُؤْمَرْ فِيهَا بِقِتَالٍ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْقِتَالِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُتْقَنٍ فَإِنَّ الْآيَةَ خَبَرٌ لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ وَلَكِنَّهَا تَضَمَّنَتْ بِالْمَعْنَى أَمْرًا بِمُوَادَعَةٍ فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّسْخُ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي قَدْ تَقَرَّرَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ.
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ رَوَى الْخُدْرِيُّ وَابْنُ عُمَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَعْرَابِ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ الْهِجْرَةِ ضُوعِفَتْ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرٍ وَضُوعِفَ لِلْمُهَاجِرِينَ تِسْعَمِائَةٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقَالَ: يُحْتَاجُ إِلَى إِسْنَادٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ انْتَهَى. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُنَبِّئُهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ الْمُجَازَاةِ وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا مُشْعِرًا بِقِسْمَيْهِ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَى دِينِهِ قَسَّمَ الْمُجَازِينَ إِلَى جَاءَ بِحَسَنَةٍ وَجَاءَ بِسَيِّئَةٍ، وَفُسِّرَتِ الْحَسَنَةُ بِالْإِيمَانِ وَعَشْرُ أَمْثَالِهَا تَضْعِيفُ أُجُورِهِ أَيْ ثَوَابُ عَشْرِ أَمْثَالِهَا فِي الْجَنَّةِ، وَفُسِّرَتِ السَّيِّئَةُ بِالْكُفْرِ وَمِثْلُهَا النَّارُ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ وَغَيْرُهُمْ: الْحَسَنَةُ هُنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالسَّيِّئَةُ الْكُفْرُ،

الصفحة 701