كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 4)

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَدَدَ مُرَادٌ. وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: لَيْسَ عَلَى التَّحْدِيدِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصَ مِنْهُ بَلْ عَلَى التَّعْظِيمِ لِذَلِكَ إِذْ هَذَا الْعَدَدُ لَهُ خَطَرٌ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ عَلَى التَّمْثِيلِ كَقَوْلِهِ:
كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ «1» . وَقَالَ: مَنْ جاءَ وَلَمْ يَقُلْ مَنْ عَمِلَ لِيُعْلَمَ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى مَا خُتِمَ بِهِ وَقُبِضَ عَلَيْهِ دُونَ مَا وُجِدَ مِنْهُ مِنَ الْعَمَلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ خُتِمَ لَهُ بِالْحَسَنَةِ وَكَذَلِكَ السَّيِّئَةُ انْتَهَى. وَأَنَّثَ عَشْرًا وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى جَمْعٍ مُفْرَدٍ مِثْلٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ رَعْيًا لِلْمَوْصُوفِ الْمَحْذُوفِ، إِذْ مُفْرَدُهُ مُؤَنَّثٌ وَالتَّقْدِيرُ فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالِهَا وَنَظِيرُهُ فِي التَّذْكِيرِ مَرَرْتُ بِثَلَاثَةِ نَسَّابَاتٍ رَاعَى الْمَوْصُوفَ الْمَحْذُوفَ أَيْ بِثَلَاثَةِ رِجَالٍ نَسَّابَاتٍ. وَقِيلَ: أَنَّثَ عَشْرًا وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى مَا مُفْرَدُهُ مُذَكَّرٌ لِإِضَافَةِ أَمْثَالٍ إِلَى مُؤَنَّثٍ وَهُوَ ضَمِيرُ الْحَسَنَةِ كَقَوْلِهِ: يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ «2» قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ عَامَّانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَيْسَا مَخْصُوصَيْنِ بِالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَيَكُونُ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ مَخْصُوصًا بِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَضَى بِمُجَازَاتِهِ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَقَضِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَكَوْنُهُ لَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُزَادُ إِنْ كَانَ مَفْهُومُ الْعَدَدِ قَوِيًّا فِي الدَّلَالَةِ إِذْ تَكُونُ الْعَشْرَ هِيَ الْجَزَاءُ عَلَى الْحَسَنَةِ وَمَا زَادَ فَهُوَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ كَمَا قَالَ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَالْأَعْمَشُ وَيَعْقُوبُ وَالْقَزَّازُ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَشْرٌ بِالتَّنْوِينِ أَمْثَالُهَا بِالرَّفْعِ عَلَى الصِّفَةِ لِعَشْرٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْمِثْلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ فِي النَّوْعِ بَلْ يُكْتَفَى أَنْ يَكُونَ فِي قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ، إِذِ النَّعِيمُ السَّرْمَدِيُّ وَالْعَذَابُ الْمُؤَبَّدُ لَيْسَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي نَوْعِ مَا كَانَ مَثَلًا لَهُمَا لَكِنَّ النَّعِيمَ مُشْتَرِكٌ مَعَ الْحَسَنَةِ فِي كَوْنِهِمَا حَسَنَتَيْنِ وَالْعَذَابَ مُشْتَرِكٌ مَعَ السَّيِّئَةِ فِي كَوْنِهِمَا يَسُوءَانِ، وَظَاهِرُ مَنْ جَاءَ الْعُمُومُ. وَقِيلَ:
يَخْتَصُّ بِالْأَعْرَابِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا كَمَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ. وَقِيلَ: بِمَنْ آمَنَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ. وَقِيلَ: بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ أَدْنَى الْمُضَاعَفَةِ. وَقِيلَ: الْعَشْرُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَالسَّبْعُونَ عَلَى بَعْضِهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ لَا يُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِهِمْ وَلَا يُزَادُ فِي عِقَابِهِمْ.
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أَمَرَهُ تَعَالَى بِالْإِعْلَانِ بِالشَّرِيعَةِ وَنَبْذِ مَا سِوَاهَا وَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ لَا عِوَجَ فِيهَا وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْفِرَقِ أَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ بَلْ هُوَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَأَسْنَدَ الْهِدَايَةَ إِلَى رَبِّهِ لِيَدُلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِعِبَادَتِهِ إِيَّاهُ كأنه قيل: هداني
__________
(1) سورة الحديد: 57/ 21.
(2) سورة يوسف: 12/ 10.

الصفحة 702